الجهاد، جدل الغاية والوسيلة


فئة :  مقالات

الجهاد، جدل الغاية والوسيلة

الجهاد، جدل الغاية والوسيلة([1])


تقديم

يثير موضوع الجهاد وما يجرّ من مفاهيم مرتبطة به الكثير من الحساسيات[2] ممّا يجعل البحث في مثل هذه المواضيع "يصدم" البعض بما لا يريد أو بما يخشى.

يظهر الموضوع لأول وهلة "محسوماً فيه"، فالبحث والقول فيه للفقيه الملم بالغزوات والملاحم والسير. لكن ما يمكن تسميته بـ"ظاهرة الجهاد اليوم" هي ظاهرة تغري كلّ باحث في العلوم الاجتماعية لتسليط ضوء البحث عليها، من أجل ذلك قرّرنا الاشتغال على معطيات وجوده فهماً وتحليلاً.

إذا كان الجهاد قديماً مثل الرّاية الجامعة للأمّة الإسلامية، فإنه اليوم يتخذ صوراً وأشكالاً أخرى، ولعلنا قبل الخوض في تفصيل ذلك نقدّم بين يدي القارئ المقدمات التالية:

المقدّمة الأولى: تعدّد أوصاف ظاهرة الجهاد اليوم، فنجد من يطلق عليها: الجهاد، أو الثورة، أو المقاومة، أو الحرب المقدّسة، أو القتال، أو الإرهاب، أو الغزو، أو الخوارج، وكلها مفاهيم تصف ظاهرة واحدة مؤثرة في الوقع المحلي والعالمي، إنّ الملاحظة التي يمكن أن نقدّمها هنا هي أنّ الجهاد يبدو بذلك واحداً ومتعدداً.

المقدّمة الثانية: الجهاد محلّ تجاذب وصراع: تجاذب من خلال السجال الواقع لتحديد المفهوم وأي الفرق الإسلامية لامست الفهم الصحيح واقتربت من النموذج/النص، وصراع لأنّه يتخذ أشكال "التهمة" أو "التخوين" بين الفصائل الإسلامية، وقد يصل الأمر إلى التكفير/التقتيل. إنّ ما يمكن أن نلاحظه على هذه المقدمة هو أنّ الجهاد صراع داخلي قبل أن يكون صراعاً خارجياً توسعياً[3].

المقدّمة الثالثة: في علاقة مع الغرب يبدو الجهاد إعلاناً أبدياً عن الحرب ودعوة مستمرة للهجرة (الهجرة من بلاد الكفر/ الحرب إلى بلاد الإسلام).

المقدّمة الرابعة: الجهاد ليس قالباً مفاهيمياً واجتماعياً مشتركاً: إنّ الجهاد وإن كان يجد أصوله في نصوص الكتاب والسنّة إلا أنّ فهمه وتكييفه اليوم هو وليد العالم الحديث ومجرياته.

يبدو إذاً مفهوم الجهاد أنّه أحد المواضيع التي تقسم الصفوف وتربك العقول وتضيع بين التيارات والمدارس السياسية الإسلامية: فبين منادٍ "حيّ على الجهاد"، وبين خائف منه متوجس ممّا قد تؤول إليه الأمور، وبين داعية له يبشّر بـ"فتح قريب" و"مغانم كثيرة" أو "شهادة"، هناك من يحذّر من "قتل النفس بغير حق" أو "الخروج عن جماعة المسلمين" و"شق عصا الطاعة"، بين هذا وذاك: صراع بوادره بادية للعيان، في بلاد الرافدين وبلاد الشام دماء تنزف وأسر تشرد، وانقسام حاصل في ليبيا، وتهديد قائم في المغرب وتونس والمملكة العربية السعودية والكويت وباقي البلدان.

إننا حين نتناول موضوع الجهاد ومتعلقاته فإننا بصدد دراسة حركات الإسلام السياسي/الجهادي، وهي في حالة فعل: إننا في محاولة لرصد وتحليل ما أسماه أوليفيه روا "المتخيل السياسي الإسلامي"، وكيف يتحوّل إلى واقع ممتد يتعدّى المفهوم إلى خلق الحدث. إنه أيضاً بحث في المآل على اعتبار أنّ المآل يكون في أغلب الأحيان بعكس الادعاء، وكما قيل: المجريات تفضح الدعوات، والنتائج تنقض المقدمات، كما أنّ الوسائل تدمر الغايات[4].

إنّ الإشكال الذي يفرض نفسه وسط تعالي الصيحات والسجال بين المواقف المتباينة والاستراتيجيات المتصارعة ودعاوى الحوار هو سؤال الغاية والوسيلة.

إننا سنحاول من خلال هذا البحث تبيّن مفهوم الجهاد من خلال التجربة التاريخية الإسلامية الممتدة من العصر الأموي إلى واقعنا الراهن[5]، مستثنين التجربة النبوية وتجربة الخلفاء الراشدين، منطلقين من فرضية أساسية هي أنّ مفهوم الجهاد مفهوم ما يزال يبحث لنفسه عن هويّة منذ العصر الأموي، وأنّه تراوح بين جهادات: جهاد الداخل (ثورات وانقلابات)، وجهاد الخارج الذي اتخذ صورتين هما: جهاد دفع هجوم خارجي، أو جهاد طلب بهدف توسّع رقعة الدولة، وأنّ جهاد الخارج ما هو إلا مظهر من مظاهر أزمة الحداثة.

أولاً: في دلالة مفهوم الجهاد

إذا كانت الكلمة عنصراً أساسياً للدلالة على المعنى، بل هي الأداة لذلك، فإنّ كلمة الجهاد وإن سهل تحديدها لغة فإنّ دلالتها من الشمول والصعوبة بمكان، حيث إنه ليسهل تصورها ويصعب تعريفها.

الجهاد كلمة مشتقة من الجذر (ج هـ د) بمعنى بذل الوسع.

قال ابن منظور في لسانه: الجُهد والجهد: الطاقة، وقيل الجَهد المشقة[6].

والجهاد: محاربة الأعداء، وهو المبالغة واستفراغ الوسع والطاقة من قول أو فعل أو ما أطاق من شيء[7].

ويعرّفه فتح الله كولن بأنه: "بذل كلّ ما في الوسع من طاقة، وتحمّل المشقة بغية تحقيق غاية انتشار الإسلام والتمكين له"[8].

لقد أورد الجابري تعريفاً للجهاد بأنّه: "استفراغ الجهد والوسع في ما لا يرتضى، وهو ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، والشيطان، والنفس"[9].

لقد كان الجهاد في الصدر الأول "مهارة حياتية" تتجسّد في كلّ صغيرة وكبيرة، فإماطة الأذى عن الطريق جهاد، وإعانة الناس ومساعدتهم جهاد، والوضوء جهاد...، ولم يكن مقتصراً على الفعل الحربي طلباً أو دفعاً[10].

إنّ الرجوع إلى أصل التشريع الإسلامي كتاباً وسنّة[11] هو أحد أبواب فهم الجهاد كما جاء في سياقه الإسلامي، ففي القرآن يأتي ورود لفظ الجهاد بمعانٍ متمايزة حسب فترة النزول، ففي القرآن المكي هناك ثلاث آيات مفصلية مؤطرة لمفهوم الجهاد، وكلّها منصرفة إلى غير المعنى المنتشر على الساحة الإسلامية اليوم، بحيث كان المعنى منصرفاً إلى قيم الحجاج والإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن، أو بمعنى مجاهدة النفس وقمع الأهواء الجاهلية التي كانت تشكل جزءاً من الشخصية العربية حينها، هذا بالإضافة إلى كلّ معاني كبح الشهوات.

الآية الأولى: "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً"[12].

الآية الثانية: "ومن جاهد فإنّما يجاهد لنفسه إنّ الله لغني عن العالمين"[13].

الآية الثالثة: "والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا، إنّ الله لمع المحسنين"[14].

إنّ التحول إلى الجهاد بمعنى القتال لم يحدث إلا مع التنزيل المدني، خاصة آية الإذن بالقتال:

"إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا إنّ الله لا يحب كل خوّان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها الله كثيراً ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقوي عزيز"[15].

إنّ الإذن الإلهي بالقتال جاء لمقاتلة من بدأ ذلك "أذن للذين يقاتلون"، وحكم الله لهم بأنهم يقاتلون ظلماً "بأنهم ظلموا"، وحدّدت الآية مظاهر الظلم:

الإخراج من الديار بغير حق،عدم قبول من خالفهم في دينهم (إلا أن يقولوا ربّنا الله).

إنّ معالم الأزمة متواجدة في جينات البداية الأولى ممثلة في عدم قبول الآخر المختلف، بما لا يسمح له بإثبات وجوده والانفراد بمعتقداته.

لقد أعطى الإسلام مفهوم الجهاد ميزة أخرى، فصار "علماً على تحقيق إيصال الإنسان إلى الله تعالى بإزالة العوائق بينه وبين الله تعالى"[16].

ويرى فتح الله كولن أنّ الجهاد موجّه إلى جهتين:

الأولى: جهة داخلية يراد بها عملية إيصال الإنسان إلى ذاته وإلى ربه.

الثانية: جهاد موجّه إلى الخارج، وبالتالي لن يكون إلا عملية إيصال لآخرين (مسلمين وغير مسلمين) إلى ذواتهم وإلى ربهم[17].

لقد جرت عادة الفقهاء والمحدثين ترتيب باب الجهاد في مصنفاتهم مباشرة بعد باب العبادات[18]. وبغضّ النظر عن قصد هؤلاء العلماء من ذلك هل هو إدخال الجهاد ضمن العبادات الكبرى أو أركان الإسلام أو قصدوا أنه يليها في الأهمية والمكانة، فإنّ أحمد الريسوني يرى أنّه لا أحد منهم يعتبر أنّ أحكام الجهاد تؤخذ ويتعامل معها كسائر أحكام باقي العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة، ولا بمعنى أنّ تدابير الجهاد توقيفية لا تقبل اجتهاداً ولا تقديماً ولا تأخيراً[19].

إنّ الجهاد عبادة بالنظر إلى القصد واستيفاء العمل للشروط مع البعد الكامل عن الشبه ودوافع النفس، لذلك كانت أحكامه عند الفقهاء ومعالجتهم لها أحكاماً معللة ومرتبطة بمقاصدها وملابساتها ومستجداتها وتقدير المصلحة فيها، كما أنّ مجال الاجتهاد في تنزيلها والتخريج عليها في غاية السعة والمرونة[20].

إنّ إعلان الجهاد قرار سياسي بامتياز: فقرار الحرب والسلم، وعقد الهدنة والصلح، والدخول في معاهدات وأحلاف، وكذلك فسخها وما يندرج تحت ذلك من تفاصيل وشروط، كلها أمور يرجع البتّ والنظر فيها إلى تقدير الظرفية واعتبار المصلحة والمفسدة، بل هي خاضعة لمنطق السياسة.

ثانياً: الجهاد: تاريخ مستمر من الصراع الداخلي الإسلامي

إنّ حركة الجهاد اليوم، وإن كانت تنزع إلى لباس الدين وتتزيّا به، غير أنّها لا يمكن أن توازي أهمية البعد السياسي الحاضر والمساهم فيها.

عبر تاريخنا الطويل[21]، دائماً ما رفعت الفئة الثائرة راية الجهاد ودائماً ما قوبلت بالنفير العام للجهاد، جهاد لإسقاط حكم وجهاد لتثبيته، وبينهما عاشت الدولة الإسلامية العديد من الصراعات[22]، حتى ليتراءى للناظر أنّ أكبر عبادة في الإسلام هي قتل المسلم للمسلم[23].

إنّ الأفكار الانقسامية ما زالت في عصورنا الحديثة، بل إنّ التحولات الكبرى التي شهدها العالم الإسلامي لم تزده إلا انقساماً، لقد أعادت التيارات الإسلامية المعاصرة إنتاج المشكلة ـ الانقسامية- نفسها، فبتنا أمام "أخويات جديدة" صارت هي أساس العلاقات، فالمسلم اليوم صار مطالباً بتحديد هل هو إخواني أم تبليغي أم صوفي أم سلفي أم جهادي.

إنّه الأمر نفسه أعيد إنتاجه في أفغانستان قبل سنوات، مع وصول مجموعة "ربّاني الإسلامية" إلى كابل، حين وُجّهت مدفعية "حكمتيار الإسلامي" إلى كابل لتدكها دكاً، ثم وجهت مدفعية "طالبان الإسلامية" لتقصف كابل بدورها؛ ثم وجّه فيما بعد "الشمال الإسلامي" الذي كان متحالفاً مع الغرب قذائفه نحو طالبان لإخراجها[24]. والكلّ يرفع راية الجهاد!

وفي تونس ومصر وفي لحظة واحدة، إسلاميون يديرون السلطة أو يحاولون في مواجهة إسلاميين في الشارع وعلى وسائل الإعلام على اعتبار أنّ لهم إسلاماً أفضل، وإسلاميون صعدوا الجبل، وآخرون توغلوا في الصحراء لجهاد بني جلدتهم الناطقين بألسنتهم على اعتبار أنّهم حاملون لإسلام أفضل من الأفضل[25]. إنّ أحداث سوريا والعراق عرّت هذا الواقع المستشري، فالكلّ مستعد ليضحي بروحه لإزهاق روح مخالفه، كلّ ذلك باسم الله والإسلام الحق. حرب جارية باسم الله، إنّه جهاد الكلّ ضد الكلّ.

إنّ التطور التاريخي للمفهوم يفيد أنّ الجماعة الإسلامية وظّفته في حالات صراعها الداخلي وفي صراعاتها البينية على احتلال مواقع في المجتمع وصولاً إلى استخدامه في الصراع مع السلطة الحاكمة، وبعد استتباب الأمر داخليا تتهيأ الدولة لصراعات إقليمية/طائفية أو دولية تحت تقسيم دار الإسلام ودار الحرب.

وهنا نود أن نشير إلى أنّ مفهوم دار الإسلام ودار الحرب هي تقسيمات مؤطرة بسياقات إنتاجها، غالباً ما يتمّ إغفالها أو تغافلها، وتتمثل هذه السياقات في:

  • حرية الاعتقاد غير مقبولة.
  • حرية التعبد مفقودة.
  • الأصل في العلاقات الدولية الحرب والغزو.

إنّ دار الإسلام ودار الحرب هي حالة وليست رقعة أرضية، فالمسلم حيثما أقام شريعته وقال رأيه بغير خوف فتلك دار إسلامه، ومثله قال به علي الجبائي[26] حين سئل عن دار الإسلام ودار الحرب: "دار الإسلام حيث أقيم شعيرتي وأقول رأيي غير خائف، قيل فبغداد ليست دار إسلام على ذلك، قال: فليكن"[27].

ثالثاً: الجهاد ردّ فعل عن أزمة الحداثة: محاولة في التفسير

تتجاذب علاقة الإسلاميين بالحداثة العديد من المقاربات، غير أنّ "حتمية الحداثة"[28] و"رفض الحداثة"[29] تبقيان المقاربتين الأبرز.

إنّ قيمة الحداثة في العالم الإسلامي قد فقدت مصداقيتها: فالشعارات ولو كانت صحيحة تستهلك من فرط تكرارها ولوكها، فما بالك إن كان الشعار يطرح لكي يجري انتهاكه أو تبخيسه أو تدميره[30]؟ من ثمّة فقدت مفاهيم الحداثة وكلّ ما تجر وراءها من الديمقراطية والأنسنة والعلمانية والعقلنة...حمولتها الدافعة، فلم تعد اليوم تحفز الإرادة نحو الفعل، ولا تجد لها محلاً لدى الشرائح العريضة المنكفئة على ذاتها.

أضيف إلى ذلك أزمة المنشأ داخل التجربة الإسلامية، والتاريخ الطويل من الصراع مع الغرب اتسم بالإلحاق القسري بالنموذج السياسي الغربي سواء بالتدخل الاستعماري الأول نهاية القرن التاسع عشر، أو ذلك الذي خاضته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001، دون مراعاة خصوصية الاجتماع السياسي الإسلامي[31].

لقد تولد عمّا سبق "هجانة الدولة" والمشروع الحداثي: فالدولة الإسلامية الحديثة هي مفهوم سياسي متولد عن التفاعل ما بين معطيين: التاريخ الإسلامي بكلّ حمولته وممانعته والواقع الإنساني بكل تجلياته. يبدو ذلك جلياً مع تجارب الإسلاميين ما بعد أحداث الحراك العربي سواء في تونس بقيادة حركة النهضة أو الإخوان المسلمين في مصر أو العدالة والتنمية في المغرب، إذ لم تستطع بلورة نموذج إسلامي كما كانت تدعو إليه من قبل، نموذج مغاير في تصوره، ولا التبني الكلي للنموذج الغربي الديمقراطي[32].

يرى علي حرب أنّ هناك أمراً آخر، وهو المتعلق بالسياق العالمي الذي تخضع له المجتمعات المعاصرة خاصة في الغرب من انهيار القيم الحديثة التي شكلت "أطر النظر ومحركات العمل" لدى حملة مشروع الحداثة والداعين لـ: العلمانية، العقلانية، الاستنارة، التقدم، النزعة الإنسانية، ممّا يخشى معه أن تكون الشعارات ذاتها قد قضت نحبها وفقدت جاذبيتها على يد حملتها[33].

إنّ أزمة الحداثة الغربية في ديارها هي من أهمّ أسباب تحول الشباب الأوروبي إلى "حلم الجهاد الداعشي"، بحيث استهلكت الإجابات عن العديد من الأسئلة الوجودية من قبيل:

ـ هل الحياة الحديثة هي الحياة الناجحة؟

ـ كيف صارت هذه الحياة الحديثة مصدر قلق وخوف بدل أن تصير حياة أمن ورفاه؟ ولماذا نطرح القضايا ولا نلتزم بها (قضايا البيئة، حقوق الانسان...)؟

ـ كيف ندعو للحرية وأنظمتنا تدعم الاستبداد؟

بناء عليه يتمّ تفسير تنامي الجهاد والداعين إليه على أنّه نتيجة مباشرة لإخفاق المسلمين في التحوّل إلى الحداثة، ممّا زاد من حنقهم على الغرب، وزاد لديهم الرغبة في الانتقام بإحلال "المهانة الحضارية" على الآخرين، وما الجهاد وفق هذا الطرح سوى تشييد الجهود وشحذ الهمم للانتقام من الغرب المتقدّم. يستلزم هذا الأمر توحيد الجهود الغربية للحدّ من حركة الجهاد والوقوف في وجه ذلك، لأنّه السبيل الوحيد لتحديث الإسلام[34].

على النقيض من الطرح السابق هناك طرح آخر يرى أنّ الجهاد هو تعبير عن أزمة الحداثة، لكن ليس لصعوبة التحوّل نحوها، بل ما حركة الجهاد إلا ردّ فعل ضدّ السياسات الغربية، فالحركات الإسلامية عامة والجهادية خاصة هي حاملة لواء الاحتجاج ضدّ الغرب وصورته وصداه في الشرق، وما الحلّ إلا مدّ الجسور بين الشرق والغرب وإنهاء الهيمنة الغربية والتوزيع العادل للثورات[35].

رابعاً: الجهاد من منظور دولة الإسلام: أو تحقيق السيادة على الكون

إنّ من الوظائف السياسية للدولة الإسلامية، حسب المنظرين التاريخيين لأسسها، يتمثل من ضمن ما يتمثل فيه تحصين الحدود، وجهاد من عاند الإسلام[36].

لقد صار الجهاد اليوم مدخلاً لتقديم نموذج لمجتمع آخر يعد المؤمنين به بغَدٍ إسلامي مشرق، يغاير كلّ الأنظمة الموجودة على الساحة. إنّه يُقدّم اليوم على أنّه سبيل إحياء الخلافة وأمجادها، وهو وسيلة لإيجاد مجتمع سياسي إسلامي كشرط للارتقاء إلى الفضيلة المنشودة. من أجل ذلك ينبغي أن تُسال الدماء لغسل "الخطيئة السياسية الإسلامية" ممثلة في التجربة السياسية الإسلامية الديمقراطية[37].

وليتمّ ذلك ينبغي العمل على تقديم:

  • واجهة لمنطق سياسي جديد بإعادة إنتاج مفهوم الخلافة.
  • تغير خطاب المشروعية: بحيث صار يعتمد على الشرعية الجهادية بدل الشرعية الانتخابية أو التاريخية.

إنّ هذا يؤدي إلى نتيجتين أساسيتين:

  • الفكرة الشمولية: شمولية النظام وسيطرة فكرة التوسّع والتمدّد.
  • فكرة الاستحواذ: أي الاستحواذ على المجتمع طوعاً أو كرهاً، ليصبح قتل المخالف أو المعاند أمراً مشروعاً.

على هذا الأساس سيتمّ النظر إلى الجهاد على أنّه وسيلة لحاكمية الأرض، هكذا عنون فتح الله كولن أحد فصول كتابه "روح الجهاد"، ليقول بعدُ ناطقاً بضمير وإيمان المسلم: "إنني لا بدّ وأن أجعل من أمّة الإسلام عنصر توازن بين أمم الأرض جميعاً. فإن لم يؤخذ كلامي أساساً بين القرارات التي تتخذ بين طبقات البشر، ترتب إذاً مذلة شنيعة، فيذلّ الأعزاء ويسمو الأذلاء. ولهذا فلا بدّ أن يكون القرار والحكم صادراً مني وأكون أنا مصدر الموازنة. وعلى الدول أن تحدّق في اجتماعاتها إلى إصبعي أنا حيثما أشير، وأن يقدّم كلامي على الكلمات التي تطلق هنا وهناك، ولا يتخذ قرار إلا بعد أخذ رأيي فيه"[38].

إنّ المقولات أعلاه تعكس تصوّر أحد الفاعلين الإسلاميين الذين يوصفون بالتصوف و"التساهل" في الأحكام الشرعية من طرف باقي الفصائل الإسلامية[39]، ولهذا دلالته. إننا نلمس في الاقتباس أعلاه بحثاً عن المجد الضائع والتاريخ المنشود ليصير علامة على المستقبل، هذا ما يؤكده بقوله: "ولقد كنا ردحاً من الزمن حكام الأرض، فما تحقق أمس يمكن أن يتحقق غداً. وما علينا إلا بذل الجهد والسعي المتواصل وحصر الهمّة به، وعلى الأقل نثير همّة أولي العزم من الرجال لوضع أهداف من أجل تحقيق الحاكمية"[40].

إنّها حاكمية الإسلام على الحياة كما يراد تقديمها من طرف بعض الحركات الإسلامية تحقيقاً لسيادة الدنيا قبل سيادة الآخرة، على الرغم من أنّ القرآن ناطق بـ"لست عليهم بمصيطر"[41]، "وما أنت عليهم بجبار"[42]، بل حتى من اتخذ من دون الله أولياء قال فيهم: "والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل"[43].

إنّ تحقيق حاكمية الإسلام بالجهاد[44] أمانة مقدّسة في أعناق المسلمين، وآفاق نشرها وتحقيقها في العالم دَين في أعناق كلّ مسلم، يقول فتح الله كولن: "فالمؤمن يعيش طول حياته لأجل الغاية وينطلق لبلورتها إلى البحر الساخن والبحر البارد، ويستشعر بقوته في كلّ بقعة من الأرض، حتى لو كانت مجمدات سيبيريا ومجاهل أمريكا الجنوبية وصحارى أمريكا الشمالية"[45].

ثم يقرّر أنّ الله لا يقبل من المسلم أن يظلّ تحت سيطرة الكفار، أمّا إن رضي بذلك فهذا معناه أنه فقد كلّ ما يملكه من إيمان وإسلام، وبالتالي فلا حقّ له في الحياة[46].

إنّ السؤال الذي يُطرح هنا: متى ما توافرت فرصة الدعوة إلى الله ومكنت الحكومة لكلّ أهل ملة أن يقيموا شعائرهم ويتقاضون لمن يرونه ويرتضونه، فما مبرر فكرة السيطرة على الآخرين أو قتالهم؟[47].

فعلى سبيل المثال: تدعو الحكومة البرازيلية كلّ أصحاب الديانات إلى تقديم كتب تعبّر عن دياناتهم على أن يتمّ تدريسها للطلبة، مرادها من ذلك تمكين الطلبة من الاطلاع على مختلف الديانات وتسهيل إمكانية اختيار الديانة التي يرونها مناسبة[48]. إنّ بعض منظومات التدين تعيد نشر صورة الإسلام شاهراً سيفه ضارباً الأعناق محرّقاً للعباد، جاعلاً من هاته الممارسات فلسفة للدين وروحاً له.

خاتمة:

استشرفت الدولة الإسلامية بداية العصر الحديث وهي متلبسة بعدة أزمات، خاصة عجزها وعدم مردودية قيامها بوظيفتها السياسية.

فبحث الإسلاميون عن بلورة نموذج للدولة، فتمّ الاشتغال على نموذج شبه متماهٍ مع نموذج الدولة الوطنية في الغرب، قبل التدرّج نحو إقامة نموذج دولة جديد أقرب إلى الإسلام ولا يتعارض مع الجماعات الدينية ولا يثير سخطها وانتقادها. لقد حققت جماعات الإسلام السياسي صاحبة الرؤية الديمقراطية "فتحها" الانتخابي، لكنّ الممارسة السياسية جرّدتها من مثلها. فظهر الإسلاميون مفتونين بالدولة ولا يقاومون إغراء السلطة، وإن تخلوا عن الشعارات التي شكلت ردحاً من الزمن هويتها.

إنّ خيبات الأمل من فشل الإسلاميين الديمقراطيين[49] وتعثر عملية النهوض الداخلي[50] تحوّل إلى إدانة للعالم ـ عن فشلنا الداخلي ـ مع تحميله المسؤولية عن ذلك.

فتنامت حركات الجهاد ونصبت الرايات، وهذا على خلاف من قال بحتمية الحداثة الإسلامية وإنها السبيل الوحيد. فإن كان أوليفيه روا قد سبق وقال منطلقاً من فرضية اعتبرت بعدها مسلّمة، وهي أنّه "باستثناء الثورة الإيرانية لم تغير الإسلاموية شيئاً في عمق الساحة السياسية شرق الأوسطية"[51]، وأضاف: "اعتقادنا أنّ الحقبة الإسلاموية أغلقت باباً هو باب الثورة والدولة الإسلاميتين، ولكن تبقى بلاغة خطابها"[52]. غير أنّ فرضيته قد هدمتها الأحداث الجارية، بل رأينا تأسيس كيان جديد أسمى نفسه الدولة الإسلامية في العراق والشام.

هذا التأسيس الذي يتخذ من الجهاد أساساً أيديولوجياً لوجوده واستمراره وتمدّده، يضطرنا إلى إعادة البحث في الموقف العميق من الدين وروحه، وهل الدين سياق من الاختيار العفوي/العقلاني، وبالتالي فوظيفة المسلم البلاغ المبين، أم السيطرة وجمع الغنائم؟

المراجــــع

كتب:

ـ أبو بكر بن علي الصنهاجي، أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1971.

ـ ابن منظور، لسان العرب، طبعة دار المعارف، ت.ن.غ.

ـ أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق أحمد مبارك البغدادي، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، الطبعة الأولى 1409 هـ / 1998 م.

ـ أحمد الريسوني، مراجعات ومدافعات، دار الكلمة للنشر والتوزيع، 2013.

ـ إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي بن محمد السلامة، الجزء السادس، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1420 هـ / 1999م

ـ امحمد جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى سبتمبر 2014.

ـ أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة، دار الساقي، الطبعة الثانية 1996

ـ تهاني جبر شعث، ألفاظ الجهاد في القرآن: دراسة دلالية، إشراف صادق عبد الله أبو سلمان، رسالة قدمت لاستكمال درجة الماجستير في العلوم اللغوية، جامعة الأزهر، كليّة الآداب والعلوم الإنسانية، غزة، 1432 هـ / 2011م.

ـ جاسم سلطان، أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان نموذجاً، سلسلة أدواة القادة (11)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2015.

ـ خالد عزام، موسوعة التاريخ الإسلامي: العصر العباسي، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، 2009.

ـ صلاح طهبوب، موسوعة التاريخ الإسلامي: العصر الأموي، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن ـ عمان، 2009.

ـ عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، دار يعرب، الطبعة الأولى 1425هـ / 2004.

ـ علي حرب، أزمة الحداثة الفائقة: الإصلاح ـ الإرهاب ـ الشراكة، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2015.

ـ مالك بن أنس، الموطأ، الجزء الثاني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406 هـ / 1985 م.

ـ ماهر الشريف، تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي، دار مدى للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2008.

ـ محمد فتح الله كولن، روح الجهاد حقيقته في الإسلام، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، دار النيل للطباعة والنشر، الطبعة الخامسة 2008م/1428هـ.

- نوح فيلدمان، سقوط الدولة الإسلامية ونهوضها، ترجمة الطاهر بوساحية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2014.

- وائل حلاق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة عمر عثمان، سلسلة ترجمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الأولى 2014.

مقالات:

ـ محمد عابد الجابري، "الجهاد في القرآن والحديث"، سلسلة وجهات نظر، انظر المقالة كاملة على الرابط التالي:

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=49445

ـ نيكولاس بيرش، "صوفية فتح الله مولن والكماليون الجدد: الإسلام المتسامح"، موقع مجلة العرب الدولية، انظر الرابط التالي: http://arb.majalla.com


([1]) نشر في ملف بحثي بعنون "الجهاد، الشهادة، الشهيد"، بتاريخ 24 نونبر 2015، إشراف بسام الجمل، تقديم أنس الطريقي.

[2]ـ إنّ الموضوع يتجاوز حدود البلدان العربية الإسلامية ليشمل العالم بأكمله، لأنّ التساؤل عنه صار همّ المشتغلين بالعلوم الاجتماعية والمحللين الاستراتيجيين والأجهزة الأمنية.

[3]- اليوم يبدو الجهاد، وعلى خلاف الطريق السياسي الديمقراطي الذي نهجته حركات إسلامية كثيرة، وسيلة داخلية للاستيلاء على السلطة ستتيح تطهير وأسلمة المجتمع الغارق في القيم الغربية واسترجاع المجد الإسلامي المهدور.

[4]ـ علي حرب، أزمة الحداثة الفائقة: الإصلاح ـ الإرهاب ـ الشراكة، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2015، ص 7

[5]ـ لا ندّعي أننا سنقوم بمسح شامل لكلّ التجربة، لكن يكفينا الإشارة إلى فترات مختلفة من هاته التجربة مركزين على أهم خلاصاتها.

[6]ـ ابن منظور، لسان العرب، طبعة دار المعارف، ص 708

[7]ـ نفسه، ص 710

[8]- محمد فتح الله كولن، روح الجهاد حقيقته في الإسلام، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، دار النيل للطباعة والنشر، الطبعة الخامسة 2008م/1428هـ، ص

[9]ـ محمد عابد الجابري، "الجهاد في القرآن والحديث"، سلسلة وجهات نظر، انظر المقالة كاملة على الرابط التالي:

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=49445

بالنسبة إلى محمد عابد الجابري فإنّ الجهاد من المفاهيم الإسلامية الأصيلة التي تترجم خطأ إلى "الحرب المقدّسة"، ويرى أنّ ذلك "غير مناسب وغير دقيق".

[10]- من ذاك ما أورده ابن كثير في تفسير الآية 6 من سورة العنكبوت "ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إنّ الله لغني عن العالمين"، قول الحسن البصري: "إنّ الرجل ليجاهد، وما ضرب يوماً من الدهر بسيف". انظر:

إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي بن محمد السلامة، الجزء السادس، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1420 هـ / 1999م، ص 264.

[11]ـ إنّ مسح كلّ الأدلة من الكتاب والسنّة لهو أمر متعذر في هاته الوريقات، لكن كما تقول القاعدة: ما لا يدرك كله لا يترك جله، سنقتصر على ذكر ما يمكن تسميته "آيات التأسيس" لمفهوم الجهاد في الفترة المكية و"آية النقلة" مع التنزيل المدني.

وللاستزادة حول ما ورد في القرآن من ألفاظ الجهاد بكلّ معانيه ودلالاته نحيل على:

تهاني جبر شعث، ألفاظ الجهاد في القرآن: دراسة دلالية، إشراف صادق عبد الله أبو سلمان، رسالة قدمت لاستكمال درجة الماجستير في العلوم اللغوية، جامعة الأزهر، كليّة الآداب والعلوم الإنسانية، غزة، 1432 هـ / 2011م.

لأنّ لهذه الثنائية: لحظة التأسيس ولحظة الانتقال أهمية بالغة، بحيث أنه ما زالت كثير من الحركات الإسلامية تعمل وفقها وبناء عليها، إنّ كثيراً منها تتبنى فكرتي الضعف والقوة، فهي الآن في حالة ضعف ومعها يتمّ استحضار الفترة المكية، وبالتالي فالعمل بالجهاد لا يكون إلا بمعاني الصبر والاحتساب في انتظار التمكين المنتظر، وبه تحصل النقلة المرجوة ليكون به الجهاد شريعة حاضرة لا غائبة.

[12]ـ سورة الفرقان، الآية 52.

 [13]ـ سورة العنكبوت، الآية 6.

[14]ـ سورة العنكبوت، الآية 69.

[15]ـ سورة الحج، الآية، 40.

[16]ـ محمد فتح الله كولن، مرجع سابق، ص 21.

[17]ـ نفسه.

[18]ـ وإن كان أغلبهم يؤخرونه إلى ما بعد أبواب المعاملات، ولعل أول من رتب الجهاد بعد العبادات مالك بن أنس في موطئه، وتبعه في ذلك فقهاء المالكية.

ـ جاء ترتيب كتاب الجهاد (21) في موطأ مالك مباشرة بعد كتاب الحج، انظر: مالك بن أنس، الموطأ، الجزء الثاني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406 هـ / 1985 م، ص 434 وما بعدها.

[19]ـ أحمد الريسوني، مراجعات ومدافعات، دار الكلمة للنشر والتوزيع، 2013، ص 45

[20]ـ أحمد الريسوني، مرجع سابق، 43-44

[21]- شهدت التجربة التاريخية الإسلامية انقسامات وانشطاراً للجماعة الإسلامية، فتقاتل الجميع، وصارت الجماعة جماعات، وتولدت عن ذلك مسميات: الرافضة، النواصب، الخوارج، المعتزلة، المجسمة.

[22]ـ فالأوضاع السياسية للدولة الأموية مثلاً بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان ما لانت ولا دانت، فمن ثورة/جهادية إلى أخرى: ثورة الحسين بن علي، وثورة عبد الله بن الزبير، وثورة سليمان بن صرد الخزاعي.

التوترات نفسها عاشتها الدولة بعد انتقال الحكم للبيت المرواني: ثورة المختار بن أبي عبيد، وثورة الخوارج، وثورة عبد الرحمن بن الأشعث.

انظر في تفاصيل هذه الثورات: صلاح طهبوب، موسوعة التاريخ الإسلامي: العصر الأموي، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن-عمان، 2009

ومثله وقع مع بني العباس بدءاً بمعركة الزاب مع الأمويين، مروراً بحركات كلّ من مروة الكلابي وحبيب بن مرّة المرّي، وصولاً إلى العلويين.

للاستزادة حول هاته الفترة يمكن مراجعة: خالد عزام، موسوعة التاريخ الإسلامي: العصر العباسي، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، 2009

وفي المغرب ذكر ابن خلدون ما وقع لصنهاجة حتى قضى عليهم الموحدون. انظر أخبار ذلك في: عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة، دار يعرب، الطبعة الأولى 1425هـ / 2004، ص 314 وما بعدها.

كما جاء في كتاب أخبار المهدي بن تومرت من صراع مع المرابطين وتلقيبهم بالمجسمة، ورمي المرابطين لهم بالخوارج، انظر: أبي بكر بن علي الصنهاجي، أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1971، ص 38

غير أنه من عجيب الأثر ما ذهب إليه الكثير أثناء ثورة ابن الزبير وصراعه مع الأمويين، ومن المواقف التي ينبغي تأملها ما رواه نافع عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في "فتنة" ابن الزبير فقالا: إنّ الناس قد ضيعوا، وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أنّ الله حرّم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة"، فقال: قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله. أورده أحمد الريسوني، مرجع سابق، ص 52

[23]ـ أحمد الريسوني، نفسه، ص 50

[24]ـ جاسم سلطان، أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان نموذجاً، سلسلة أدوات القادة (11)، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2015، ص 28

[25]ـ جاسم سلطان، مرجع سابق، ص 28

[26]ـ هو محمد بن عبد الوهّاب بن سلام الجبائي، المعروف بأبي علي الجبائي، ولد سنة235 هـ/ 849 م في مدينة جُبّى في خوزستان، وتوفي في البصرة سنة 303 هـ/ 916م. وهو من علماء المعتزلة وكبار المتكلمين.

انظر تعريفاً عنه في الموسوعة الحرّة ويكيبيديا مادة: أبو علي الجبائي:

https: //ar.wikipedia.org/

[27]ـ أورده جاسم سلطان، مرجع سابق، ص 75

[28]ـ من بينها ما تناوله كل من:

ـ امحمد جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى سبتمبر 2014.

ـ نوح فيلدمان، سقوط الدولة الإسلامية ونهوضها، ترجمة الطاهر بوساحية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2014.

ـ وائل حلاق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة عمر عثمان، سلسلة ترجمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الأولى 2014

[29]ـ يرى أوليفيه روا أنّ الحداثة تفرز أشكال الرفض الخاصة بها. انظر: أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة، دار الساقي، الطبعة الثانية 1996، ص 11

[30]ـ علي حرب، مرجع سابق، ص 14

[31]ـ امحمد جبرون، مرجع سابق، ص 273

[32]ـ سبق لأوليفيه روا أن أشار إلى أنّ أيّ انتصار للإسلاميين اليوم لن يتعدى أن يكون سراباً خادعاً، فقد "استحالت الإسلاموية إلى سلفية جديدة لا يشغلها شاغل سوى إقامة القانون الإسلامي، أي تطبيق الشريعة، دون أن تخترع أشكالاً سياسية جديدة، الأمر الذي حكم عليها بألا تكون أكثر من واجهة لمنطق سياسي يفلت منها"، انظر: أليفيه روا، مرجع سابق، ص 7

[33]ـ علي حرب، مرجع سابق، ص ص 14- 15

[34]ـ ماهر الشريف، تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي، دار مدى للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2008، ص 8

[35]ـ ماهر الشريف، مرجع سابق، ص 9

[36]ـ أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق أحمد مبارك البغدادي، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، الطبعة الأولى 1409 هـ / 1998 م، ص ص 22-23

[37]ـ يقوم التغيير المجتمعي وفق هذا المنظور على التخفف من كلّ ما هو سياسي ديمقراطي ليبيرالي/فرداني، ومن التجربة الإسلامية ديمقراطية على استحيائها.

[38]ـ فتح الله كولن، مرجع سابق، ص 82

[39]ـ انظر على سبيل المثال النقاش على منتدى أهل الحديث على الرابط التالي حول سؤال: ما قول أهل العلم في منهج الشيخ فتح الله كولن؟:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=199943

انظر أيضاً: نيكولاس بيرش، "صوفية فتح الله كولن والكماليون الجدد: الإسلام المتسامح"، موقع مجلة العرب الدولية، انظر الرابط التالي:

http://arb.majalla.com/

[40]ـ فتح الله كولن، مرجع سابق، ص 85

[41]ـ سورة الغاشية، الآية 22

[42]ـ سورة ق، الآية 45

[43]ـ سورة الأنعام، الآية 107

[44]ـ يقول فتح الله كولن: لأنّ الجهاد "لا يمكن تركه ما لم يعمّ الإسلام الأرض كلها"، مرجع سابق، ص 88

[45]ـ فتح الله كولن، مرجع سابق، ص 85

[46]ـ فتح الله كولن، مرجع سابق، ص 85

[47]ـ جاسم سلطان، مرجع سابق، ص 70

[48]ـ المثال أورده جاسم سلطان، نفسه.

[49]ـ أدت هذه الوضعية إلى إذكاء نار التوترات الاجتماعية وتبلور مطالب سياسية جديدة أدّت بدورها إلى إعلان الجهاد من الطرفين: طرف يزعم جهاداً يرفع الظلم وطرف يجاهد للحد من التسيب، وبين هذا وذاك يحق قول العرب القديم: "إذا التقى السيفان فلا خيار".

[50]ـ زاد في ذلك:

  • انسداد الأفق السياسي في الدول العربية والإسلامية.
  • هشاشة الحريات العامة في البلدان العربية والإسلامية.
  • التحولات العالمية، خاصة هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والانكسارات العربية والإسلامية؛ ممّا يؤشر على ولوجنا زمن صراعات لا منته.

[51]ـ أوليفيه روا، مرجع سابق، ص 7

[52]ـ نفسه، ص 9