العنف الصوفيّ المقدَّس نماذج من المدوّنات المناقبيَّة بالمغرب ق 6-13هـ / 12-19م


فئة :  أبحاث محكمة

العنف الصوفيّ المقدَّس نماذج من المدوّنات المناقبيَّة بالمغرب ق 6-13هـ / 12-19م

ملخّص:

ترصد هذه الدراسة بعض مظاهر العنف في سلوك المقدّس الصوفيّ بالمغرب اعتماداً على مقاربة تاريخيّة، جعلت المدوناتِ المناقبيّةَ مادّتها الأساس، واعتباراً للتنميط والتكرار الذي يطبع هذا الجنس الأدبي، فقد قصرنا النظر على نماذج من الصلحاء، وارتضينا نفساً زمنيّاً طويلاً للحفر والسبر (ق6-13هـ/ 12-19م). وقد كان الباعث على الاهتمام بعنف المتصوّفة ما حفلت به مناقب بعضهم من صور للعنف، حفَّزت على مراجعة مسلَّمة «لا عنف المتصوّفة»، التي اطمأنت إليها أفهامنا. ولم تثننا رمزيّة تلك الصور ولا طابعها المتخيَّل أحياناً عن البحث والتقصّي، بل اعتبرنا الأمر فرصة لمعالجة جوانب منقوصة في وعينا التاريخيّ، واسترجاعاً لمساحات بحثيّة من صميم عمل المؤرّخ. وافترضنا ابتداء أنَّ تقديس الصلحاء، والخوف من لعنتهم حاضراً، بقايا ورواسب ذهنيّة شاهدة على عنف مقدَّس (رمزي ومادي)، مارسه أهل الصلاح حيال المجتمع.

رأينا من الإلزام، ونحن نعالج عنف المتصوّفة، أن نعتبر جملة من الجوانب المعرفيّة والمنهجيّة، ترتبط بتاريخ الذهنيّات الدينيّة كشعبة تاريخيّة تنتظم الدراسة في إطارها؛ فجعلنا إمعانَ النظر في خصوصيّات الأدب المنقبي، وما يضمره مدوّنوه من استراتيجيّات، وضبط النفس الزمني المؤطّر للبحث، شروطَ صحَّة لا تستقيم المعالجة المذكورة دونها.

إنَّ اعتبار الذات أوّل ضحايا العنف الصوفيّ يعكس المكانة المركزيّة التي يحتلها الجسد في الخطاب المنقبيّ، فهو موضع تجلٍّ للقداسة والمفارقة، ومحتضن للبركة، وكلّ ذلك ليس سوى نتيجة لارتقاءات اتفقت للجسد الصوفي المقدّس بفضل مجاهدات عنيفة سعت إلى تزكية النفس وتطهيرها. وعلى الرغم ممّا يوحي به ظاهر هذه المسالك من اختصاص بأهل الصلاح، فإنّ تأثيرها في الذهنيّات الجماعيّة يبقى أمراً محققاً، تعكسه جملة الصور والتمثلات التي تتَّفقُ لدى جماعة المؤمنين بالصلاح؛ فهي لا تقف على حدود الاعتقاد بقداسة الجسد الصوفي، بل يغدو ملكاً جماعيّاً تؤمُّه عند الحاجة والاقتضاء (التبرّك والاستشفاء)، وهي جوانب توفَّقت المناقب بفلسفتها التاريخيّة المخصوصة واستراتيجيات مدونيها في استنباتها كبنيات ذهنيّة لم يزدها الزمن سوى رسوخ وأقدميّة.

اختصَّتْ علاقات المتصوّفة زمن الولاية الوهبيّة بغياب شبه كليّ للعنف، وحضور بالمقابل للهاجس الوعظي والتربوي في تعنيفهم للآخر، ومنشأُ ذلك واقعُ التصوّف وإكراهاته خلال هذه الحقبة؛ فكان عنف الصلحاء الآباء حيال الآخر دفاعاً عن المشروع الصوفي والجماعة ليس إلّا. بينما ستعرف وتيرة العنف الصوفي زمن الولاية الوهبيّة تعاظماً ملحوظاً انطلاقاً من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي قرن التصوّف بامتياز؛ فقد رافق الفورة الصوفيّة التي عرفها مغرب هذا القرن تضخُّم في الذات الصوفيّة، وإفراط واضح في استعمال العنف المقدَّس. وباتت الظاهرة أكثر خطورة خلال القرون الموالية، لا سيّما مع اتساع فئة المجاذيب وأصحاب الملامة والبهاليل ساقطي التكليف، الذين حُسبوا سَهْواً على الصلاح في سياق أزمات مختلفة أنهكت المجتمع المغربي (أزمات سياسيّة -أوبئة ومجاعات....)، فأسلمت العامّةُ مصيرها لهذه الفئة، وعجزت السلطة الوقتيّة عن الحدّ من عنفها المقدَّس، وأضحت سلوكياتُها مهَدِّدة للسِّلم الجماعي، ومارست عنفاً ماديّاً ورمزيّاً نشر الخوف في المجتمع، وهدَّد الأمن العام، وشذَ عن القيم والأخلاق، في مشاهد خدشت الصورة الخيْريّة للولاية الصوفيّة بالمغرب، وعكست من جهة أخرى ذلك التلازم الوثيق بين الرّموز الدينيّة والسلطة، التي يسَّرت مهمّة المعنِّف باسم المقدَّس والمعتقد، وحصرتْ ردَّ فعل المؤْمن المعنَّف في التسليم والإذعان.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا