بول ريكور وهيرمينوطيقا التّرجمة


فئة :  ترجمات

بول ريكور وهيرمينوطيقا التّرجمة

بول ريكور وهيرمينوطيقا التّرجمة

ملخّص الدّراسة

تَتَنَاوَلُ هذه الدِّراسَةُ الوظيفة التي تؤدِّيها هيرمينوطيقا ريكور، بوصفها فَلْسَفَةً للترجمة وَفَلْسَفَةً بوصفها تَرْجَمَةً. تنطلقُ من إطلالةٍ، عامة، على نظريات ريكور في ضوء تاريخ فلسفة الترجمة، وتوضح الكيفية التي اقتفى بها خطى غادامر في فهم عملية التَّرجمة، بوصفها فنًّا للتفاوض والوساطة بين الذَّات والآخر. وتَسْتَكشف الباراديغم الهيرمينوطيقي للترجمة الذي طوره ريكور في أعماله اللاحقة من خلال مظاهر ثلاثة رئيسة: لسانية، وأنطولوجية، وأخلاقية. وتنتهي الدِّراسة بمناقشة الدَّور الحاسم الذي تَلعبه التَّرجمة في مسائلِ الضّيافة والتَّعددية والصَّفح.

تمثّل التَّرجمة سمةً جوهريّةً ومركزيّةً في فلسفة بول ريكور، وبالرغم من أنه لم يجعلها موضوعًا صريحًا في أعماله، إلا أنَّها كانت حاضرةً، بقوةٍ، في ممارساته الفلسفية. كان ريكور وسيطًا بارعًا، وشخصًا يُتْقِنُ فن التَّحكيم والتَّفاوض بين المواقف المتضاربة (=والمتباينة). لا يُضاهى بول ريكور في دبلوماسيته التَّبادلية حين يتعلق الأمر بالأفكار الفلسفية، حيث كان يجد دائمًا نقاطًا مشتركة - وإن لم يكن دائمًا يصل دائماً إلى حلٍّ نهائيٍّ - بين وجهات النَّظر المتناقضة في ظاهرها، لكن دعنا نفكر في وساطتهِ الدَّائمة والانتقال الذي قام به بين التفكير القاريّ والأنغلوسكسوني، على المستوى العام، ثم على المستوى القاري، ووساطته بين الوجودية والهيغلية؛ بين علم الاستدلال والنّقدية النظرية؛ بين علم الظواهر والعلوم الإنسانية؛ بين التحليل النفسي الفرويدي والجدليات الهيغلية؛ بين نظرية الأدب وفلسفة الدّين؛ بين الفهم التَّاريخي (Verstehen) والتَّفسير العلميِّ (Erklären)، بين علم النفس وعلم الأعصاب، بين الأخلاق والسِّياسة، وهكذا دواليك. وينبغي النَّظر، في النهاية، إلى جهوده العَديدةِ في إقحامِ التَّرجمة في إطار الهيرمينوطيقا ذاتها، بين الهيرمينوطيقا الرومانسية (المستمدةِ من شليرماخر، وديلتاي) والهيرمينوطيقا النقدية أو الهيرمينوطيقا الراديكالية (التي طورها هابرماس وديريدا على التوالي).

ما يُلفت النَّظر - في هذه الوساطات النَّقدية كلِّها - أنَّ ريكور لم يتوقف، إطلاقاً، عن احترام طَرفي التبادل المتَنازعين؛ إذ يحوّل ببراعة الصِّراع إلى حِوَارٍ، من دُون التَّنَازل عن عمق الاعتقاد أو دقَّة التَّقييم. وفي اعتقادي لا يضاهي ريكور من معاصريه أحدٌ في دوره الفلسفيّ كمترجم. وفي الواقع، يمكن القول إنَّ فكر ريكور يجسّد كلًّا من الفلسفة بوصفها ترجمةً وكفلسفةٍ عن التَّرجمة. وسأركز، في ما يلي، بشكل رئيس على النقطة الأخيرة.

1. فَلْسَفَةُ الترجمة لدى ريكور

يَتَنَاولُ ريكور في كتابه: "عن الترجمة" (On translation) - واحدٌ من آخر أعماله التي نُشرت بالفرنسية في عام 2004، وبالإنجليزية في عام 2006 – بشكلٍ، مباشرٍ، عمليات ومشكلات التَّرجمة. يُقَدِّمُ ريكور نمطين رئيسين: أوَّلهما النَّمَطُ اللساني، ويتعلق بكيفية ارتباط الكلمات بالمعاني داخل اللغة أو بين اللغات. وثانيهما النَّمَطُ الأنطولوجي الذي يرتبط بكيفية وقوعِ الترجمة بين الذات الإنسانية والذوات الأخرى. ودعوني أوضح كلًّا منهما على حدة([1]).

أ) الباراديغم اللِّسَاني: من طبيعة اللُّغة أنَّها وَاحِدَةٌ ومتعدِّدَة ومن خلال هذا التمييز تنبع الحاجة الأساسية إلى التَّرجمة. تتشارك جميع اللُّغات القدرة على التَّوسُّط بين المتكلم الإنسانيّ، وعالم المعاني (الفعليَّة والممكنة) التي يقصدها المتكلّمون؛ ويعني ذلك أننا نواجه واجبًا مزدوجًا إزاء الترجمة، سواء كان داخليًا أو خارجيًا، لوجود لغاتٍ متعددةٍ، سواء الحيّة منها أو الميتة. باختصار، فإنَّ إحدى السِّمات الأصْلية لفكر ريكور هي الطريقة التي تظهر بها التَّرجمة على أنَّها دَاخِليَّةٌ وبين لُغَاتٍ متعدِّدةٍ في آن معاً.

يُسَاهِمُ فَهْمُ ريكور للتَّطَوُّرِ التَّاريخيِّ لفلسفة التَّرجمة، على الأقل في التَّاريخ الغربي، في توضيح هذه المسألة، حيثُ تَرجعُ بَعْضُ أقدم الاهتمامات بمشاكل وألغاز الترجمة، إلى اللِّقَاءات الرئيسة بين الثَّقَافَات. كانت التَّرجمة، في العصور الكلاسيكية، بين اللُّغتين اليُونانيَّة واللاتينية نقطةَ تحوُّلٍ حاسمةٍ، في حين تمثل التَّرجمة الشهيرة للكتاب المقدس من العبرية والآرامية إلى اليونانية واللاتينية - من السبعينية وصولاً إلى الترجمات الحاسمة للقديس جيروم (مؤلف الفولغاتا)، أو في وقت لاحق، لمارتن لوثر بالألمانية، أو مؤلفي الملك جيمس بالإنجليزية - مجموعة أخرى من المحطات البارزة في تاريخ الترجمة بين اللغات.

استخدمت كلمة "هيرمينوس" ερμήνευς (hermeneus) لدى اليونانيين، وكلمة "إنتربرس" "interpres" لدى الرومان منذ القدم للإشارة إلى المترجم، وتحملُ كِلْتَاهُما معنى الوسيط الذي يتوسَّط بين لغتين أو شخصين يتحدثان لُغَتَين مختلفتين. وقد تطور مصطلح "مترجم" (Translator) من الفعل اللاتيني "transfero"، و"transfere"، و"translatum"، والذي تحوّل في اللغات الرومانسية إلى "translatare"، و"translater"، خلال العصور الوسطى، ومن هنا جاء مصطلح "translate" في اللغة الإنجليزية. بدأ الفيلسوف الإيطالي ليوناردو بروني (Leonardo Bruni)، في القرن الخامس عشر، بالتَّفكير بشكل علمي في فن الترجمة ونشر بحثًا كاملاً بعنوان "De Interpretation Recta" (1420)، وهناك عثر ريكور على مصطلح "traducere" الأصلي، والذي يشير إلى فكرة موحدة عن الترجمة. ظهر المصطلح الفرنسي "traducteur" في القرن السادس عشر، والذي استخدمه الفيلسوف إتيان دوليت (Etienne Dolet)([2]). ظهرت العديد من نظريات الترجمة المؤثرة، في القرن العِشْرين، بدءًا بنظرية كروتشيه (Croce) وروزنبرغ (Rosenzweig) وصولاً إلى نظرية بنيامين (Benjamin) حول "مهمة المترجم"، ونظرية شتاينر "ما بعد بابل". وفي هذا السياق، يتتبع ريكور في دراسته الأخيرة حول الترجمة خطى أسلافه من المفكرين، وما يميز رؤيتهُ هو اللَّفتة الفريدة التي يضفيها على الهرمينوطيقا، وسأحاول توضيح هذه النقطة في ما سَيَلي.

يؤكد ريكور، كما أسلفنا، على الدور الذي لعبته بعض الترجمات العظيمة للكتاب المقدس، والكتابات الكلاسيكية، في صياغة الهويَّات الوطنية والثَّقافية، ويعي التأثير الدرامي الذي لعبتهُ ترجمة الكتاب المقدس إلى الألمانية من قبل مارتنِ لوثر، وترجمة أَخوية مورافيون إلى التّشِيكية، وترجمة الكتاب المقدس إلى الفرنسية في جنيف، فضلاً عن الدَّور الحاسم الذي لعبته ترجمات الكتابات الكلاسيكية في ولادة النهضة والتنوير والرومانسية. كان ترحيل المخزون اللسانيِّ من لغة إلى أخرى، في جميع هذه الحالات، من الترجمة بين اللغات مرتبطًا بالأفكار الحديثة عن التَّحرر الإنساني والتغيير، وما يهمُّ لحظة لقاء الآخر خارج الوطن، أو خارج العالم الأوروبي، بشكل عام - مع اكتشاف القارات والحضارات الأخرى ابتداءً من القرن الخامس عشر - يعد تذكيرًا حاسمًا لريكور بضرورة الترجمة الحديثة. بالتالي، يمكن أن نفهم الترجمة على أنَّها كانت دائمًا، في عبارة أنطوان بيرمان المرنمة (والتي يشيرُ إليها ريكور كثيرًا) - اختبارًا للغريب (une épreuve de I'étrange)([3]).

ب) الباراديغم الأنطلوجي: يمكن تفسيرُ فهم ريكور لمصطلح "الترجمة" في المعنيين المحدد والعام؛ ففي المعنى المحدد، يُشير إلى العمل الذي من خلاله تتم ترجمة المعاني من لغة معينة إلى أخرى، كما هو موضح في الاقتباس السَّابق، وهو المعنى الأشيعُ في الاستخدام المعاصر للترجمة. وأمَّا في المعنى الأعمّ، فيشير إلى الفِعْلِ الأنطولوجي للحديث بصفة عامة، وليس فقط بوصفه طريقةً في ترجمة الذَّات للذّات (من الداخل إلى الخارج، من الخاص إلى العام، من اللاوعي إلى الوعي)، بل أيضًا بعدِّهِ ترجمةَ الذَّات للآخرين. يتجاوز هذا المعنى الفكرة المجردة لترجمة الكلمات والجمل من لغة إلى أخرى، بل يفتح الباب أمام التفكير في التَّواصل بشكل عام، والتفاعل الحقيقي مع الآخرين من خلال اللغة. ونذكر أن دومينيكو جيرفولينو (Dominico Jervolino) قد صرَّح بأن الكلام في حد ذاته ترجمة، حتى عندما يتحدّث المرء بلغته الأم أو يتحدث إلى نفسه. وتعدّ الترجمة واجهة تمكن الأفراد من التواصل مع الآخرين الذين يتحدثون لغات مختلفة، وبالتالي، تصبح التَّعَدُّدية اللُّغَوية شَرطًا أساسياً للتَّفاهم والتَّواصل بين الأفراد. يكمن جوهر الترجمة في التمكين من التفاعل الإنساني مع الآخرين من خلال لغاتهم الفريدة، وعندما يتم قبول طبيعة هذا التواصل الضروري، يكون التعدد اللغوي شرطاً أساسياً لتحقيق الاتصال الحقيقي بين الأفراد، وليس عقبةً يصعب التَّغلب عليها([4]).

يُعَد البارديغم الأنطلوجيّ للترجمة، في اعتقادي، أهمَّ منطلقات فلسفة ريكور، ويمثل أساسًا لنظريته الأخلاقية والسِّيَاسِيّة. يُقارِن ريكور دور المترجم، في هذا الباراديغم، بدور الوسيط بين "سيدين"؛ أي المؤلف والقارئ، وبين الذَّات والآخر. يلقي الضّوء على مصطلح "العمل"، مشددًا على أهمية اثنين في عملية الترجمة: (1) عمل الذاكرة، و(2) عمل الحِدَاد. بهذه الطريقة، يستعير ريكور من مفهوم فرويد الشهير "العمل من خلال" (Durcharbeitung).

يُسَلِّطُ ريكور الضوء - بالتركيز على الطابع العملي للترجمة - على الخبرة الشَّائعة والتَّوتر والمعاناة التي يتعرض لها المترجم أثناء تحققه من الدَّافع الأساسي من أجل تقليل غرابة الآخر، مما يؤدي إلى استيعاب المعنى الغريب في إطار أفكاره الخاصَّة. يمكن القول إنَّ عمل الترجمة يحمل واجبًا مزدوجًا: فمن جهةٍ، أن نستثمر أنفسنا من ذواتنا، بينما نَستوعِب الآخر في أنفسنا من جهة أخرى. نُدعى، بعبارة أخرى، إلى جعل لغتنا تتأقلم مع ثيابِ الغريب في الوقت نفسه الذي ندعو فيه الغريب ليحيك نَسِيجاً من خطابنا الخاصّ. تكون نتيجة الترجمة جَيِّدَةً، عندما تعيد لغة ما اكتشاف ذاتها في لغة أخرى، وكأنها ذاتها (soi même come un autre).

يشدد ريكور على أنَّ التَّرجمات الجيِّدة تحتاج إلى أن نكون منفتحين أساسًا على التفاعل مع الآخر، وهو ما يُشجِّعنا – في الواقع – على التخلي عن الادعاءات الشَّخصية للغة الأم، والتخلي، أيضاً، عن الاكتفاء الذاتي - الذي يمكن أن ينحو في بعض الأحيان إلى القومية والعنصرية - وذلك من أجل "استضافة" الغريب. يُشير اللغوي إميل بنفينيست في كتابه "القاموس المؤسساتي الهندو-أوروبي" (Le Vocabulaire des Institutions Indo-Européenes) إلى أن المصطلحين "hospes" و"hostis" مترابطان اشتقاقيًا([5])؛ وبناءً عليه، يكتب ريكور: "على الرغم من الطابع المتنازع الذي يجعل مهمة المترجم درامية، إلا أنه سيجد رضاهُ في ما أسميه "الضيافة اللغوية"، حيث إن مأزقه هو وجود مُراسلة من دون تحقق اندماج كامل. لا يمكن التحقق من هذه الحال الهشّة إلا من خلال ترجمة جديدة... كنوع من تكرار عمل المترجم، والذي يكون ممكنًا بفضل القليل من التثنّي اللغوي: أن نترجم من جديد بعد المترجم". ويضيف (مجدداً في دراسته: "عن الترجمة"): "تماماً كما أنه في السرد دائماً ما يكون من الممكن سرد القصة بطريقة مختلفة، بالمثل في الترجمة دائماً ما يكون من الممكن الترجمة بطريقة مختلفة، من دون أن نأمل أبداً في تجاوز الفجوة بين المكافئة والاندماج الكامل. الضيافة اللغوية، بالتالي، هي فعل اقتران بكلمة الآخر مُتَوازٍ مع فعل استقبال كلمة الآخر في محلِّ الآخر، وفي مقامه الخاص"([6]).

تدعونا الضيافة اللغوية إلى التَّخلي عن الوهم العاطفي بوجود ترجمة كاملة، والتي تُقدم نُسْخَةً مطابقة عن الأصل. ما يُطلب منا، بدلاً من ذلك، هو أن نحترم واقعة أنَّ الحقول الدّلالية والنحوية في اللغتين، ليستا متطابقتين تمامًا، ولا يمكن أن يُخْتزَلَ تفسيرهما ببساطة. تتجاوز المعاني والسِّياقات والخصائص الثقافية؛ أي محاولة لإيجاد تكافؤ تامٍ بين اللغات، وباستثناء المنطق الرمزي المجرد، لا توجد لغة واحدةٌ. يُذكِّرنا جورج شتاينر (George Steiner) بأن الترجمة هي تجاوزٌ دائمٌ لما بعد بابل([7]). المترجم ملزَمٌ بالاعتراف بحدود اللغة والتعددية اللغوية. لكي يعمل المترجم بصدق، يجب عليه التخلي عن حلم العودة إلى بعض الشرائع الصلبة من أجل تحقيق التَّطابق النقي؛ فالمحاولة في استرجاع الفردوس قبل السقوط، والذي تكون فيه الإشارات خالية من الزمن غير مجدية، وفي بعض الأحيان خطيرة، وحتى الفكرة المنيرة عن وجود لغة عالمية مثالية كانت مضطرة للاعتراف بالمقاومات الحقيقية للاختلافات الثقافية المستندة إلى تنوع اللغات. في الواقع، أثبتت معظم المحاولات من أجل إنشاء لغة عالمية مطلقة أنها، في الواقع، مؤامرات إمبريالية مخفية ناعمة لفرض لغة معينة (مثل: الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية) على اللغات الأساسية الأخرى الأدنى والأقل وَضْعًا. يظهر التزام ريكور، في هذه النقطة، بالعدالة الاجتماعية والمساواة بقوة، وهو ما سنعود إليه في القسم القادم.

متى وجدت اللغة، يوجد التَّفسير، وهو ما يعني وجود التَّرجمة (In principio fuit interpres). الكلمات موجودة في الزمان والمكان، وبالتالي لها تاريخ من المعاني التي تتغير وتتطور، وتنطوي كل ترجمة على جانب من جوانب الحوار بين الذات والغريب؛ يعني الحوار بالضبط dia-legein؛ أي قبول الاختلاف. ولهذا السبب، في مقاله: "باراديغم الترجمة"، يقترح ريكور التَّرجمة بوصفها باراديغماً تفسيرياً، سواء أتعلق الأمرُ بدورها الطبيعي المتمثل في نقل المعاني من لغة إلى أخرى، أو في دورها الأدق المتمثل في نقل الفهم بين أفرادٍ مختلفين من نفس المجتمع اللغوي، فإن الترجمة تنطوي على كَشْفِ الغَرَابَةِ؛ حيثُ نتعامل مع الآخرية الموجودة خارج اللغة الأم، والآخرية الموجودة داخلها، "نستشعر الفجوة بين لغة مثالية افتراضية، وواقعية اللغة الحية مرارًا وتكرارًا في إطار التَّبادل اللُّغوي: فمن الممكن دائمًا قول نفس الشيء بطريقة مختلفة، ومن ثم، قول شيء بطريقة متمايزة، أي قوله بمصطلحات أخرى، هو بالضبط ما يفعله المترجم من لغة إلى أخرى. توضح تلك العناصر المستقبلة في الطرفين، أو نصفي المشكلة، بعضهما بعضًا وتعيدان تقديم الغرابة والثراء للعلاقة مع الآخر"([8]).

***

يمكن أن يُلاحظ أن نظرية ريكور في الترجمة تتبع، هنا، تأكيداً مماثلاً لنظريته حول النَّص بعدِّه باراديغماً للتفسير في السبعينيات والثمانينيات. يُؤكد ريكور، في كلتا الحالتين، على "التباعد" (=أو التمَّاسف) عن المعنى، حيثُ يشير ذلك، في حالة النصّ المكتوب، إلى كيفية التي يكتسب بها المعنى استقلاليتهُ عن: 1) نية الكاتب الأصلي (مثل هوميروس)، 2) العالم الأصلي أي الظروف التي كتب فيها الكاتب، أو التي كتب عنها (اليونان في عصر هوميروس)، وعن 3) القراء الأصليين للنص عند إنتاجه للمرة الأولى (المجتمع اليوناني الذي قرأ أوديسا هوميروس).

نجدُ جانباً مماثلاً من "التباعد" يحدث في الترجمة، حيث يسبق تغيير المعنى ويثير حتى الفعل التالي للقراءة، كما أنه تلقٍ جديد للمعنى الأصلي، أو كما يحب ريكور أن يقول، إن أفضل طريق للتعرف على الذات يكون من خلال التعامل مع الآخر. في حين، يميل شلايرماخر والمفسرون الرومانسيون إلى النموذج الأفلاطوني، وإلى الحوار بحسبانه استذكاراً (ذكرى/استحواذ) للمعاني الأصلية. يمكن القول إن ريكور يميل إلى نموذج أرسطي أكثر حزماً واستناداً إلى؛ أ) تعدد المعاني وب) تقدير منهجي لل"الشعر" و"البلاغة" المعقدة المتضمنة في تفسير المعنى اللغوي. (ومن هنا، كما لاحظنا بالفعل، أهمية دعوى ريكور، على طريقة غادامر وهايدغر، إلى علاقة نقدية دقيقة مع العلوم الإنسانية - بما في ذلك اللغويات - وتجاوز التقسيم القديم بين "الفهم" و"التفسير". على الرغم من أنه يجب القول إنَّ الفجوة بين ريكور وغادامر أصبحت ضيقة جدًا في النِّهاية).

تتضح الصورة، بالنسبة إلى ريكور، إذ لا يمكن أن يكون هناك فهم ذاتي من دون خلق الوساطة من خلال الإشارات، والرموز، والروايات، والنّصوص. يحل محل الموضوع الرومانسي المثالي المتسلط، السيد الجليل لذاته وكل ما يحيط به، بذات مشاركة لا تجد ذاتها إلا بعد أن تعبر ميدان الغرابة وتعود إليها مرة أخرى، متميزةً وموسَّعةً، أو كما يقول جيمس جويس (James Joyce)، "مستبعدة". يستسلم الأنا للذات، أو بالأحرى لـ "soi-même comme un autre"، أو "الذات عينها كآخر". يجسد قوس الترجمة هذه الرحلة عبرَ الذات نحو الآخر، مذكّرًا لنا بالانتهازية والتبعية اللازمة لكل لغة، وهنا بالطبع، نجد تجليات لكتابات ريكور المبكرة حول الانتهازية والخطأ من "الحرية والطبيعة" إلى "الانتهازية".

القصص الحياتية والسير الذاتية هي دائمًا جزء من قصص وتاريخ أكبر نجد أنفسنا متشابكين داخلهُ، وهو المكان الذي يظهر فيه باراديغم الترجمة بوصفه نقلاً لهذا ولذاك، إلى الأمام والخلف. "التفكير والكلام هما دائمًا ترجمة، حتى عندما يتحدثُ المرء إلى نفسه، عندما يكتشف آثار الآخر في نفسه؛ فاللغة إذ تفهم كصفة خاصة بالإنسان، مرتبطة دائمًا بلسان محدد ومعين وبتعددية اللُّغات"([9]). يذهب ريكور، بالفعل، إلى حدٍّ يقترحُ معهُ أن الميثاق الأخلاقي المستقبلي للسياسة الأوروبية، وفي نهاية المطاف للسياسة العالمية، ينبغي أن يكون تبادلاً للذكريات والسَّرد بين الأمم المختلفة؛ لأنه فقط عندما نترجم جروحنا الخاصة إلى لغة الغرباء، ونعيد ترجمة جروح الغرباء إلى لغتنا يمكن أن يحدث الشفاء والصفح([10]).

2. أخلاقيات الترجمة: الهيرمينوطيقا التطبيقية

هذا يقودنا إلى المطالبة النهائية لريكور بأن أخلاقيات الترجمة تنطوي على عملية ضيافة بين- لسانية؛ فالعالم مكون من البشر، والثقافات، واللُّغات. تتواجد الإنسانية بصورة جمعية، الأمر الذي يعني أن أي شكل شرعي للكونية يجب - إذا ما روعي الباراديغم الهيرمينوطيقي للترجمة - أن يجد، دائمًا، تعددًا معادلًا له. يضمن التوتر الخلاق بين الكونية والتعددية أنَّ تكون مهمة الترجمة مهمةً لا تنتهي، وهي عمل من الذكريات والحِدَاد، من الاستيلاء والتخلي، من التعبير عن الذات والترحيب بالآخرين، والكلمة النهائية "عدم الاكتمال"([11])، وردت في آخر كتاب رئيس منشور لريكور: "الذاكرة والتاريخ والنسيان" (2000 بالفرنسية؛ 2005 بالإنجليزية). وهذا يعبر عن الفكرة بأن الترجمة، إذا فهمت على أنها مهمة لا تنتهي أبدًا، فهي إشارة للأمل وليس إلى الفشل، "الإنسان القابل للخطأ" يجد مهمة جديدة باسم "الإنسان القادر".

فلنختم ببعض الملاحظات عن تقدير ريكور للآثار الأخلاقية للترجمة، بوصفها باراديغماً هيرمينوطيقاً عن الوجود. يسلط ريكور الضوء – في دراسةٍ مُهِمَّة بعنوان: "تأملات في أخلاق جديدة لأوروبا" (1992 بالفرنسية؛ 1996 بالإنجليزية) – على خمس وظائف أخلاقية للتَّرجمة([12]):

(أ) توفر هيرمينوطيقا الترجمة، أولاً، قاعدةً لأخلاقية الضيافة، يقول ريكور إن ذلك ينطوي على "تحمل المسؤولية بالتخيل والتعاطف من أجل قصَّة الآخر، ومن خلال السردِ الحياتي الذي يتعلق بالآخر"([13]). قد نشهد نقلًا صحيًا يسمح لنا بالترحيب بقصة الآخر، في تبادل الشهادات والذكريات بين أفراد من تقاليد ثقافية مختلفة، حول الغريب، والضحية، والمنسي.

(ب) ثانيًا، تستحث هيرمينوطيقا الترجمة أخلاقية المرونة السردية، وتواجه الثقافات باستمرار تحدي مقاومة تحجيم حدث تأسيسي تاريخي أو أسطوري إلى عقيدة ثابتة؛ ويمكن للثقافات أن تفعل ذلك من خلال إظهار كيف يمكن سرد كل حدث بطرائق مختلفة بواسطة أجيال مختلفة ورواة مختلفين. لا يعني ذلك أن كل شيء يصبح نسبيًا وتعسُّفيًا، بل على العكس، تدعو وقائعُ المعاناة أو النضال التأسيسية، على سبيل المثال، إلى التعاطف والعدالة؛ والطريقة الأفضل لتحقيق ذلك غالبًا هي دعوة إلى التعاطف مع الغرباء والخصوم من خلال السماح بتعدد وجهات النَّظر السردية. يمكن أن يؤدي التداخل الناتج إلى ما يسميه غادامر بـ "اندماج آفاق"، حيث يمكن لمختلف آفاق الوعي والضمير أن تجد أرضًا مشتركة في نهاية المطاف؛ ستصل إلى نقل متبادل بين العقول المتضادة، و[تصير] "هوية مجموعة أو ثقافة أو شعب أو أمة مادة غير ثابتة"، وفي هذا الصدد يكتب ريكور، "ولكنها بالأحرى هوية قصةٍ مرويةٍ"([14]). يقاوم التبادل الهيرمينوطيقي للقصص بفعالية التصورات المتكبرة للهوية الثقافية، والتي تمنعنا من إدراك الآثار الجذرية لمبدأ قابلية السرد للترجمة؛ أي "إمكانية مراجعة كل قصة تم توارثها، ونحت مكان لعدة قصص تستهدف نفس الماضي"([15]). يمكن القول إن هذا النمط من الانتباه لقصص غيرنا - الذي يتم تعزيزه بالقابلية للترجمة بين الثقافات - يتفق جيّدًا مع فضيلة الانفصال عن التعلق الهوسي بـ "ما هو لي" و"لنا".

(ج) يقودنا هذا إلى المبدأ الأخلاقي الثالث للترجمة والمتمثل في تعدد السرد. لا يعني التعدد، هنا، عدم احترام تميز وفرادة حدث معين (تاريخي، ثقافي، ديني)، وإنما يمكن القول إنه يزيد من إحساسنا بالوعي بمثل هذه الفرادة، وبالأخص إذا كانت غريبة عنا من حيث الزمان أو المكان أو الأصل الثقافي. "إن إعادة السرد بشكل مختلف ليست معاديةً للقداسة التاريخية، لكنها تظهر بقدر ما احتراماً للغنى اللانهائي للحدث، من خلال تنوع القصص التي يتم خلقها منه، ومن خلال التنافس الذي يثيره هذا التنوع"([16]). لا يجب أن تُجَانِبَ وجهات النظر المتعددة التحديد الواقعي للحدث تاريخي، بل على العكس، قد تشهد بشكل بليغ على غناه وإشاراته التي لا تنضب، ويمكن أن يتم تعميق هذا الشهادة المخلصة بشكل فعال، حين نوسع دائرة الإشارة لتشمل وجهات النظر الأخرى أو البدائل. يضيف ريكور في هذه النقطة الحاسمة: "يتم تعزيز القدرة على سرد الأحداث المؤسسة لتاريخنا بطرائق مختلفة من خلال تبادل الذكريات الثَّقافية، حيث تكون هذه القدرة على التبادل محكًا للجاهزية وللمشاركة رمزيًا وباحترام، في احتفالات الأحداث المؤسسة لثقافات أخرى، فضلاً عن تلك التابعة لأقلياتها العرقية وطوائفها من الأقلية الدِّينية"([17]). تنطبق هذه النقطة على أحداث الألم والصدمة، وعلى أحداث الفخر والاحتفال على حدٍّ سواء.

(د) الوظيفة الأخلاقية الرابعة للترجمة هي تحويل الماضي. ينطوي ذلك على استعادة إبداعية لوعود التاريخ التي خُيبت، ويتيح لنا، على سبيل المثال، أن نستجيب لـما "ندين به إلى الأموات"، وأن نسعى لإعطائهم صوتًا. إنَّ الهدف من الشهادات المتسامحة هو محاولة منحِ مُسْتَقْبَلٍ للماضي، من خلال تذكره بطريقة أدقّ، وبشكل أخلاقي وشعريّ على حد سواء، وفي ذلك أيضاً جانب حاسمٌ من إعادة تفسير التقاليد لما لها من أهمية في تمييز الوعود الماضية التي لم تتحقق بعد؛ فـ "الماضي ليس مجرد ماضٍ - أي ما حدث ولا يمكن تغييره - بل هو حيٌّ في الذاكرة بفضل الإشارات المستقبلية التي لم تنطلق بعد أو التي توقف مسارها"([18]). بعبارة أخرى، يمكن أن تُعطي الترجمات للماضي مستقبلًا لم يتحقق له؛ وكما يذكرنا ريكور، "إن تحرر المستقبل الذي لم يتحقق بعد للماضي هو الفائدة الكبرى التي نستطيع أن نتوقعها من تداخل الذكريات وتبادل المرويات"([19])، وبالأخص الأحداث المؤسسة لمجتمع معين، سواء تعلق ذلك بالجماعة الوطنية أو السياسية أو الدينية؛ حيث تحتاج الأحداث الصادمة أو التحررية إلى إعادة قراءة وفق طريقة نقدية؛ إذ يمكن أن نكتشف القوى والتوقعات التي نسيتها أو أغفلتها تطورات التاريخ اللاحقة. وبغض النَّظر عن الأيديولوجية، فإنَّ التعصب الأصولي هو مصطلح آخر لهذا الإغفال، ولهذا السبب، يشمل الصفحُ الهيرمينوطيقي صوتًا خاصًا، وممارسة معينة للخيال السمعي موجهاً نحو لحظات مؤثرة من الألم أو الأمل، بالإضافة إلى الاستجابة لمختلف الشهادات المعقدة والنصية لهذه الأحداث، والتي غالبًا ما تختفي في التَّاريخ الرسمي. يلاحظ ريكور أن "الماضي هو مقبرة وعود لم يتم الوفاء بها"؛ إذ يمكن أن توفر أوضاع التذكر والانتباه طرقًا لـ "إعادة إحيائها مثل العظام الجافة في الوادي كما وصف في نبوءة حزقيال"([20]).

(ه) اللحظة الخامسة والأخيرة في باراديغم الترجمة الهيرمينوطيقي هي الصفح. لما كان التعاطف والضيافة تجاه الآخرين خطوات حاسمة في أخلاقية اللاعنف، إلا أن هناك شيئًا أعمق ينطوي عليه الأمر، وهو التحرك خارج مجرد خيال السَّرد نحو الصفح. وباختصار، فإن الترجمة المتبادلة لذكريات المعاناة تتطلب أكثر من التعاطف والواجب (على الرغم من أنهما أساسيان لأي نوع من أنواع العدالة). يتضمن هذا الأمرُ الإضافي العفو بقدر ما يعني الصفحْ "تحطيم الدَّين"، ومن هنا يمكن أن يكون ترتيب العدالة والتراجع قابلًا للإضافة، ولكن لا يمكن أن يتم استبداله بترتيب الإحسان والهبة. يَتَطَلَّب هذا النوع من الصفحِ صَبرًا كبيراً، وممارسة دائمةً للتحليل والبكاء والتخلي، ولكنه ليس صفحاً ينسى؛ إذ لا يمكن أن يقوم الصَّفْحُ على النسيان؛ لأنَّه تذكر لما ندينُ به نحو الأموات في الوقت نفسه الذي يقدم فيه شيئًا آخر، شيئًا يَصْعُبُ تقريبًا إلى حدِّ المستحيل، ولكنه شيء أهمٌّ لقيام كل ذلك. يتبادر إلى الذهن براندت، وهو يركع في وارسو، واعتذار هافيل للألمان السوديتين (Sudeten Germans)، وحوار هيوم مع غيري آدمز وجيش جمهورية أيرلندا، وزيارة الرئيس السادات للقدس، ورفض هيليسوم أن تكره مضايقيها الكارهين. أو بعض الناجين من 11 سبتمبر الذين شهدوا ما فعله الإرهابيون، أو فقدوا أحباءهم ورفضوا – بالرغم من ذلك – الانتقام والبكاء.

تُشير مثل هذه اللحظات الاستثنائية إلى نقطة في باراديغم الترجمة الهيرمينوطيقي، حيث تُلَامس أخلاق العدل جَماليات الصَّفح؛ فالأخلاق العدلية والصفحية مهمتان بشكل حاسم في استجابتنا للمعاناة. يذكرنا ريكور بأنه إذا كان الإحسان يتجاوز العدل في بعض اللحظات، [ف] "يجب علينا أن نحذر من استبداله بالعدل"؛ لأن الإحسان يظل فائضًا، وهو هذا الفائض نفسه "من الرحمة والرقة [التي] يَمْنَحُ تَبَادُلَ الذكريات حافزه العميق وجرأته وزخمه"([21]). يتجلى هذا الفائض، في العفو، والذي لا ينتهي في مطالبه بالترجمة ولا ينضب في موارده، وهو ما يجعل من الصفح المستحيلِ مُمْكِنًا. ولهذا السبب، كما تلاحظ جوليا كريستيفا (Julia Kristeva): "لا يعد الصَّفْحُ بالمحدود، بل هو مُسْتَمِرٌّ بلا نِهَاية".

في عمل الصفحِ الصَّعب، يجب أن تظل ترجمة التعاطف بين الذات والآخر دائمًا متيقظةً لمطالب العدل. لا يمكن أن ينسى الصفحُ الاحتجاج، بنفس القدر الذي لا يمكن أن ينسى الحبُّ العمل.

[1] - Paul Ricoeur, Sur la traduction (Paris: Bayard, 2004); translated by Eileen Brennan as On Translation (London: Routledge, 2006).

[2] - أنا ممتن لدومينيكو جيرفولينو على هذه الإشارة إلى دوليه وعلى العديد من المصادر الأخرى حول تاريخ الترجمة المذكورة أدناه. يُرجى الاطلاع على ورقة جيرفولينو الملهمة بعنوان "هرمنيوطيقا الذات ونموذج الترجمة"، المقدمة في مؤتمر روما الدولي للترجمة (أبريل 2004)، ومقدمته إلى كتاب "الترجمة: تحدي أخلاقي" (Brescia: Morcelliana، 2001)، الصفحات 7-35. يُرجى الاطلاع أيضًا على مقاله الرائد بعنوان "الهرمنوطيقا والترجمة. الآخر، الغريب، الضيف"، المنشور في مجلة "أرشيف الفلسفة"، العدد 63 (2000)، الصفحات 79-93

[3] - Antoine Berman, L'epreuve de l'etmnger (Paris: Gallimard, 1984).

[4] - "The Hermeneutics of the Self," 6; see also Paul Zumthor, Babel ou I'inachevement (Paris: Seuil, 1997).

[5] - Emile Benveniste, Le vocabulaire des institutions indo-europeennes (Paris: Minuit, 1969).

[6] - Sur la traduction, 19-20

[7] - George Steiner, After Babel: Aspects of Language and Translation (Oxford: Oxford University Press, 1975). ;ومن أجل التحليل الأنطلوجي لميادي الترجمة انظر John Sallis, On Translation (Bloomington, IN: Indiana University Press, 2002).

[8] - "The Hermeneutics of Self," 8; see also Jervolino, "Translation as Paradigm for Hermeneutics and Its Implications for an Ethics of Hospitality," in Ars Interpretandi, vol. 5 (Münster: Lit Ver lag, 2000), 57-69

[9] - «The Hermeneutics of Self," 9; and "La question de l'unite de l'oeuvre de Ricoeur: La paradigme de la traduction," Archives de Philosophie 4 (2004): 659-68.

[10] - Ricoeur, "Reflections on a New Ethos for Europe," in Paul Ricoeur: The Hermeneutics of Action, ed. Richard Kearney (London: Sage, 1996), especially the section entitled "The Model of Translation," pp. 4—5

[11] - Ricoeur, La memoire, l'histoire, I'oubli (Paris: Seuil, 2001), 657; translated by David Pellauer as Memory, History and Forgetting (Chicago: University of Chicago Press, 2005

[12] - "Reflections on a New Ethos for Europe," 5-14

[13] - Ibid., 7. Another plea for a certain kind of understanding, wisdom, and phronetic 'reason' as alternatives to panic and fear before terror is offered by Corey Robin, "Reason to Panic," in "Fear Itself," special issue, The Hedgehog Review 5, no. 3 (Fall, 2003): 62-80

[14] - Hans-Georg Gadamer, Truth and Method (London: Sheed and Ward, 1975), 273f.

[15] - «Reflections on a New Ethos for Europe,’’ 7

[16] - هذا المبدأ البالغ من التعددية الهيرمينوطيقية الجذرية يدعو إلى سياسة متعددة بنفس القدر. أود أن أقترح أن مفكرة سياسية مثل شانتال موف (Chantale Mouffe) تقدم بعض الإمكانيات المثيرة هنا عندما تتحدث عن التحرك إلى ما وراء السياسة "العدائية" لنا مقابل الآخرين إلى سياسة "التنافسية" الديمقراطية التي تعزز الصراع الوافر والإبداعي للتفسيرات. تقول إنه عندما لا تكون القنوات السياسية متاحة للصراعات التي يمكن أن تأخذ شكل "التنافسية"، فإنها تتدهور إلى نموذج "العدائية" للتقطيع الذي يتم فيه تصور الخصم على أنه "عدو" أو "شيطان" يجب تدميره. يكون الخطأ الواضح هنا في السياسة المروعة. ولكن هناك خطأ أكثر دقة يرتكبه بعض أنماط العقلانية الليبرالية والفردية عندما يتجاهلون الدور المحوري الذي تلعبه المشاعر والعواطف والهويات الجماعية في عالمنا المعاصر. تخلص موف إلى أن هدف الديمقراطية الحقيقية ليس التحرك من نظام ثنائي إلى نظام أحادي للسياسة ولكن لتعزيز ظهور عالم متعدد القطبية مع توازن بين العديد من القطبيات الإقليمية تسمح بتعدد القوى. من خلال تحويل التنافسية إلى تنافسية، نسمح للمعارضة بالتعبير عن نفسها ضمن مساحة رمزية مشتركة، بدلاً من اللجوء إلى العنف. وبالتالي تصبح الخصوم خصوم مشروعين، بدلاً من أن يكونوا أعداء غير مشروعين. وتقترح أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتجنب هيمنة سلطة واحدة فائقة أو الانهيار في فوضى عنيفة. انظر كتابها عن الشأن السِّياسي: On the Political', (London: Routledge, 2005).

[17] - "Reflections on a New Ethos," 9

[18] - bid., 8. See also Ricoeur "Memory and Forgetting" and "Imagination, Testimony and Trust," in Questioning Ethics, ed. Mark Dooley and Richard Kearney (London: Routledge, 2004), 5-11 and 12-17. See also on this subject of critical and empathic remembrance, R. Kearney, "Narrative and the Ethics of Remembrance," in Questioning Ethics, 18-30

[19] - "Reflections on a New Ethos," 8. See also Francis Clooney, Hindu God, Christian God, (Oxford: Oxford University Press, 2001), 26-27; Buddhists Talk about Jesus, Christians Talk about the Buddha, ed. Rita Gross and Terry Muck (New York: Continuum, 2002); Swami Tyagananda, "Harmony of Religions," (lecture, Harvard University, April 8, 2000) (www.vedanta.org).

[20] - "Reflections on a New Ethos," 9

[21] - مصدر: المرجع نفسه، الصفحة 11. لمزيد من التحليل المفصل حول هذه النقطة، انظر ريكور، "الحب والعدالة"، في بول ريكور: علم التفسير للعمل، 23—40. راجع أيضًا هنا الجزء الختامي لريكور حول "الصفح الصعب" ضمن: الذاكرة، التاريخ والنسيان، وفكرة ديريدا المزيدة عن الصفح "المستحيل" في عنوان المذهب الكوزموبوليتي والصفح (لندن: روتلدج، 2001). إن مفاهيم المحبة غير المشروطة، والصفح، والرحمة ليست حكرًا بأي حال من الأحوال على العقائد الدينية الكبيرة أو التقاليد الحكمية الدينية؛ فهي موجودة أيضًا بشكل أساسي في التراث الفلسفي اليوناني القديم، كما لحظنا سَابقاً: انظر الاستنتاج في "عن الإرهاب" ضمن كتاب لي: "الغرباء والآلهة والوحوش" (لندن: روتلدج، 2003)، صفحة 137: "ينطلق ثيسيوس لقتل وحش المينوتور، لكن سقراط يرفض هذا الاختيار، وبدلاً من ذلك، يجادل في أنه من الأفضل مقاومة الوحش بمبدأ التوجيه: "لا تؤذي، بغض النظر عن الظروف". يفضل سقراط البقاء في المدينة بدلاً من أن يصبح قاتلًا لقوانينها بالهرب، ومن خلال العزم على التصدي للسبب المخيف والمتواري، وبدلاً من قتل الوحش ببساطة، يؤكد سقراط فلسفته الأساسية بأنه من الأفضل أن يتألم بدلاً من أن يقترف فعلاً خطأ. يرفض إغواء الانتقام ويستبدله بالتضحية، ويُمتنع تحميل الخطأ لغيره، وبالنسبة إلى التحدي في الاستجابة بشكل إبداعي وروحي وعلاجي لوحوش الخوف والإرهاب والظلام الخفية. انظر: توماس مور، ليالي مظلمة للروح (نيويورك: غوثام بوكس، 2004).