ولدت غدًا


فئة :  قراءات في كتب

ولدت غدًا

 ولدت غدًا

كتاب جماعي لتوجيه التحية للكاتب والمفكر عبد الكبير الخطيبي

(11 فبراير 1938 - 16 مارس 2009)


صدر في شهر مارس 2014، الذي يصادف الذكرى الخامسة لرحيل المفكر الفذ والكاتب متعدد الاهتمامات عبد الكبير الخطيبي، عن دار سليكي إخوان بطنجة المغربية كتاب جماعي تكريمًا له على عطائه الفكري الغني والمتميز وإنتاجه الإبداعي الغزير والمتنوع. أشرف على إنجاز هذا المؤلّف وتقديمه الشاعر والكاتب مراد الخطيبي، وهو ابن أخ الراحل، وقد جاء في مقدمة الكتاب:

"ولدت غدًا"، عنوان هذا الكتاب الجماعي الذي توخيت أن يكون ذا بعد توثيقي أو تكريمي أو علمي أو هذه الأبعاد جميعها، انبثقت فكرة اختياره من عبارة رددها المرحوم عبد الكبير الخطيبي في العديد من محاضراته ومداخلاته الفكرية، وكانت مدينة الجديدة، مسقط رأسه، على وجه التحديد، من آخر الفضاءات التي ردد فيها المقولة نفسها، وكانت المناسبة الندوة العلمية الدولية التي أقامتها جامعة شعيب الدكالي يومي 26 و27 مارس 2008 تكريمًا له على عطائه الفكري والإبداعي المتميز. هذه العبارة تختزل في عمقها مشروع الخطيبي الفكري المرتكز على مفهوم الذاكرة المتعددة المنفتحة على الزمن المتعدد والمختلف بحاضره، ماضيه ومستقبله، أو كما يعرف الخطيبي الذاكرة في إحــدى حواراته بأنها تأسيس الذات، ولكنها في نفس الوقت مستقبلية، لأنها تساؤل حول الزمن والحياة والموت وأيضًا المستقبل العالـمي التقني، العلمي...إلخ. ويضيف أن الذاكرة ليست كالهوية شيئًا جامدًا أو ميتًا، ولكنها كالحاضر في المستقبل. فالماضي متغير، ليس هناك ماضٍ مطلق ولا منتهٍ، هو كالهوية مجموعة من الآثار والبصمات تكون الذات وتكون الموجود كخريطة من آثار هي مرة أخرى مستقبلية (مجلة كتابات، 1990، العدد الخامس)". (ص ص 3- 4)

ونظرًا لمكانة الأستاذ عبد الكبير الخطيبي الفكرية والأدبية وتعدد مجالات اهتمامه واشتغاله، فقد كان من المنطقي أن يحتوي الكتاب على مقالات وشهادات تعكس هذا التنوع، ساهم بها مفكرون وأدباء وباحثون مرموقون، من أمثال الفيلسوف الأمريكي صمويل فييبر، والباحث الأمريكي كين هارو، والكاتب والمترجم العراقي محمد علي القاسمي، والشاعر والمترجم محمد بنيس، والباحث الفرنسي جان زكانياريس، والكاتب والإعلامي سعيد عاهد، والكاتب والباحث نورالدين محقق، الكاتب والباحث عبد المجيد بنجلون، والباحث والمترجم عزالدين الكتاني الإدريسي، والكاتب والفنان التشكيلي ناصر بنشيخ، والباحثة الأمريكية أليسون رايس، والباحث ألفونسو دي تورو، وغيرهم. وقد ضم الكتاب نصوصًا باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية.

ويقول الشاعر والباحث محمد بنيس في مقالته التي ساهم بها في هذا الكتاب: "أعده [يقصد الخطيبي] أحد أعلام الثقافة العربية في القرن العشرين، لأنه كان أول عربي يعنى بالجسد وبالدليل وثقافة الدليل، التي كان بها يعرّف الثقافة العربية. ما أكثر ما ننسى هذه الفتوحات، ونحن نستسلم للإعلامي في حياتنا الثقافية، "الاسم العربي الجريح" أو "فن الخط العربي" أو "النقد المزدوج" أو "كتاب الدم" نماذج أولى دالة على إنجازه المتفرد، وهي كلها تعود إلى مسألة التحرر التي تلازم فيها تكوينه الثقافي بانتمائه لفكرة التحرر. ما زلت أذكر كيف أن دور النشر الفرنسية امتنعت عن إعادة نشر كتابه "الحمى الصفراء" [في نقد الصهيونية]، وكيف أن مؤتمرًا عن اللغة والثقافة في باريس امتنع عن طبع وتوزيع محاضرة له ينتقد فيها التوجه الاستعماري لفرنسا في تناول موضوع اللغة الفرنسية؛ فهو كان نقديًا تجاه ما يعوق التحرر في العالم العربي بقدر ما كان نقديًا تجاه ما يعوق التحرر في الغرب. إنه "النقد المزدوج"، الذي أبدع فيه الخطيبي، على غرار إبداعه في حقول استكشفها، وفــي مقدمتها ثقافــة الجسد العربي. في البدء، كان الخطيبي اختار التخصص في علم الاجتماع، تخصص يشير إلى رغبته الصريحة في ممارسة قراءة نقدية للمجتمع وبنياته التقليدية، علم اجتماع نقدي، ومنذ كتاباته الأولى عن الأدب [كتابه عن "الرواية المغربية"] أو عن المغرب، كان تركيزه على البعد الاجتماعي في القراءة واضحًا. كذلك كانت روايته الأولى "الذاكرة الموشومة" مكتوبة في شكل سيرة ذاتية. رواية يعيد من خلالها الاقتراب من حياة شخصية داخل مجتمع يسعى إلى التخلص من العبء الاستعماري، ويخط أبجدية الحلم بالاستقلال، ويعاني من الخيبات التي واجهت هذا الحلم الجماعي في السنوات الأولى من الاستقلال." (ص ص 16-17)

وجاء في مقال الكاتب والمترجم الدكتور علي القاسمي: "كان الخطيبي يبحث دومًا عن الغريب والمنفلت والمتفرِّد الذي لا يمكن تأطيره في جنس محدَّد أو نوع مقيّد، ولهذا فإنه كان يحمل قلمه وعصاه، ويجوب أصقاع الفكر وآفاق ثقافات الآخر، دون أن يتزوَّد بخريطة طريق. إنه مفكّر حرّ مغرم بالترحال والمخاطرة، لا يريد أن يستقرّ في حيز ضيق أو ينتمي إلى زمان معدود الوحدات، ولا يبتغي أن يدخل في نسق من الأنساق أو ينتسب إلى مؤسسة من المؤسسات. لم ينتمِ عبد الكبير الخطيبي إلى أي تيار سياسي، ولكنه كان ملتزمًا بقضايا وطنه وأمته، إيمانًا منه بأن وظيفة المثقَّف في المجتمع هي الحراك الفكري وتحليل المجتمع لا إدارته. فالالتزام بالنسبة إليه "هو تحويل ما أحسُّ به وما أفكّر فيه إلى شكل أدبي وإلى صيغة كتابية"؛ أي إنه شاهد على عصره ومدافع عن القيم والمبادئ التي يؤمن بها وتوجّه سلوكه كمثقَّف. كان همّه النفاذ إلى جوهر الإنسان أينما كان ومهما كان مشربه؛ ينظر إلى الثقافات المختلفة بروح من التفتّح والتسامح." (ص 30)

يعد المترجم الدكتور محمد عز الدين الكتاني من بين أهم أصدقاء الخطيبي، إذ يقول في مقاله: "إن ما ألهمني هاته الأفكار عبارتين وازنتين بقيتا عالقتين بذهني كان الخطيبي يرددهما باستمرار خلال الشهور الأخيرة من حياته وهما على التوالي «je suis né demain» "ولدت غدًا" و"son ombre le scribe et" الكاتب وظله، مما جعلني أفكر كثيرًا في إيجاد تأويل لحمولتهما الدلالية. فخلصت في النهاية إلى أنني أعتقد أن المرحوم عبد الكبير الخطيبي كان يقصد بهاتين العبارتين استمرار استذكاره واستحضار أعماله حتى بعد وفاته. وظل يعني في نظري هنا الامتداد والانتشار والإشعاع والبحث المتواصل في مؤلفاته لسبر أغوارها والتعمق في أبعاد مراميها." (ص 38)

أما الفيلسوف الأمريكي صمويل فييبر، فقد شارك بمقال باللغة الإنجليزية أرفق مقتطفًا منه بترجمتي: "رغم أننا التقينا [منذ] سنوات خلت، لا أتذكر بالتحديد متى وأين، ولكن كان اللقاء يندرج في إطار ارتباطنا بجاك دريدا صديقنا المشترك، وتواصلنا لم يتم بصفة فعلية إلا في السنوات الأخيرة، وكانت المناسبة ندوة نظمتها الجامعة التي أنتمي إليها... في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث طلب مني أن أعلق على واحد من نصوصه، وكان تحت عنوان: "التحاب" (L’aimance)، كنت لفترة طويلة قارئًا وعاشقًا لكتاباته منذ أن اكتشفت "عشق اللسانين" (Amour bilingue) ولكن كانت هذه هي المناسبة الأولى التي أتفاعل فيها معه بشكل مباشر. وأنا أعود الآن بتفكيري إلى "التحاب"، إلى كتاباته حوله ونقاشاتنا خلال تلك الندوة، تتبادر إلى ذهني الآن كلمة أخرى لم تطرح خلال النقاش ولكنها في اعتقادي تلخص جزءًا من إعجابي بعبد الكبير، وهي كلمة سلاسةaisance) ) التي لا يجب الخلط بينها وبين كفاية (suffisance) وهي ما أثارني في كل هذا. نحن نعيش في زمن يعج بالمشاكل والأزمات أيضًا، وعبد الكبير كان واعيًا بالأخطار، ربما أكثر من أي واحد منا، ولكنه كان قادرًا على تجنب الأخذ بالحل المقترح من قبل العديد من الكتاب والمثقفين البارزين والمتمثل في التراجع داخل عملهم كذريعة للهروب من مشاكل العالم الخارجي، وسيكون هذا كفاية (suffisance)، وما لفت نظري هو كيف واجه عبد الكبير هاته المشاكل، وفي الآن نفسه رفض أن يسمح لهم بتحديد برنامجه، كيف استطاع أن يفعل هذا؟ لست أدري. ولكن لم يكن أحد أكثر منه ارتباطًا بالعالم، مختلف العوالم،... التي يقيم فيها وينفذ إليها، بطريقة مكنته من انتزاع الحوافز والمساندة منها دون الخضوع تمامًا لها. وهذا ما يفسر لماذا تفرض كلمة سلاسةaisance) ) نفسها عندما أعود بذاكرتي إلى أولى لقاءاتنا في الولايات المتحدة في المرة الأولى، ثم بفرنسا، وأخيرًا ولآخر مرة بالرباط خلال الخريف الفائت." (ص ص 69 -70)

بالإضافة إلى النبش في الإرث الفكري والإبداعي للراحل، فقد ضم الكتاب شهادات حول عبد الكبير الخطيبي الإنسان، ساهم بها بعض أصدقائه وأفراد عائلته، ومن بينهم، على وجه الخصوص، زوجته الأولى عالمة الاجتماع السويدية مونا مارتنسن، وزبيدة الخطيبي أخته الوحيدة. كما احتوى الكتاب على ثلاثة قصائد شعرية أهداها أصحابها إلى عبد الكبير الخطيبي الذي ابتدأ مساره الإبداعي شاعرًا.

ويشتمل الكتاب كذلك على حوارين سبق أن أجريا مع عبد الكبير الخطيبي آثر بعض المساهمين في الكتاب الجماعي ضمها لشهاداتهم؛ الحوار الأول باللغة الفرنسية سبق أن أجراه الكاتب والإعلامي التونسي ناصر بنشيخ معه سنة 1984، ويتمحور حول رؤية الخطيبي لمفاهيم وإشكاليات، مثل: الهوية، والاختلاف، والوطنية، والاستعمار، والمغرب العربي...إلخ. وكان الحوار الثاني باللغة العربية سبق أن أجراه الكاتب والإعلامي سعيد عاهد والباحث المصطفى نحال مع عبد الكبير الخطيبي في شهر دجنبر 2008؛ أي شهورًا قليلة قبل غيابه، وتركز الحوار أساسًا حول المواقف الفكرية للخطيبي بخصوص الفن والثقافة الشعبية والخط العربي والتراث.

ولم يغفل الكتاب أن يقدم جردًا لمؤلفات عبد الكبير الخطيبي التي يتجاوز عددها ثلاثين مؤلفًا بالإضافة إلى لائحة لأهم أعماله المترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية.