الاستثنائية الإسلامية: كيف يُعيد الصراع حول الإسلام تشكيل العالم


فئة :  قراءات في كتب

الاستثنائية الإسلامية: كيف يُعيد الصراع حول الإسلام تشكيل العالم

كتاب "الاستثنائية الإسلامية: كيف يُعيد الصراع حول الإسلام تشكيل العالم"[1]، كتاب حديث الإصدار زمنياً، وإن كنا نتحدث عن نسخته المترجمة إلى العربية، والمؤرخة في 2018، حيث صدر في نسخته الإنكليزية عام 2016 عن "منشورات مارتينز"، ويتناول فيه مؤلفه، الباحث شادي حميد، ما وصفه بـ"الاستثناء الإسلامي" كـ"حالة مغايرة للإسلام كدين في تعاطيه مع السياسة، وكيف يمكن أن يعتبر ذلك مؤثراً في فهمنا لراهن ومستقبل الشرق الأوسط، نظراً للارتباك الذي طرأ على تموضعات الدين في المجال العام، ونزاعات الإسلاميين مع الرؤية العلمانية لعلاقات الدين والدولة".

تضمنت محاور العمل عرضاً تعريفياً في العمل، حرّره مشاري حمد الرييح، وثمانية فصول، جاءت عناوينها كالتالي: "الاستمتاع بالمجزرة"، "هل الإسلام استثنائي؟"، "الإصلاح في الإسلام"، "الإخوان المسلمون: من الإصلاح إلى الثورة"، "النموذج التركي: الإسلاميون المُمَكن لهم"، "تونس: الإسلاميون يتنازلون عن إسلامويتهم"، "داعش: بعد فشل الدولة"، "الإسلام والليبرالية: هل من مخرج؟".

"الدين"، "الإسلام السياسي"، "الديمقراطية"، و"العنف". إنها المفردات التي احتلت مساحة كبيرة من التناول البحثي الغربي في الحقبة التي تلت أحداث "الفوضى الخلاقة" أو "الربيع العربي"، كما شغلت قضايا التفاعل والاشتباك النظري والواقعي بين الإسلام والإسلاميين وإكراهات الحداثة السياسية أروقة الكثير من مراكز التفكير وصناع القرار في العالم، وزادت وتيرة اختبار مقاربات التفسير لهذه الحالة، بعد صعود الموجة الأكثر عنفا وتشدداً المتمثلة في تنظيم "داعش"، كما نقرأ في الورقة التعريفية للكتاب.

"الاستثناء الإسلامي" هنا نسبة إلى الإسلام، أو النصوص الإسلامية المقدسة والمؤسسة، وليس إحالة بالضرورة على الحركات الإسلامية (يتحدث المؤلف عن "الإسلاموية")، حيث تطرق إليها المؤلف في عدة فصول من الكتاب، وخاصة أثناء حديثه عن التجارب الإسلامية الحركية في كل من مصر وتونس وتركيا، موظفاً مصطلح "الإسلاموية" بالتحديد، للإحالة على هذه الظاهرة، بخلاف التفاعل الإسلامي الحركي مع الكتاب، كما نقرأ في بعض ما صدر عن العمل، حيث نقرأ لإسلامي حركي مشرقي، أن مصطلح الإسلاموية الوارد في الكتاب، مصطلح أطلقه "العلمانيون" [كذا] عن الحركات الإسلامية، وهذه مغالطة، متوقعة أن تصدر عن الجهاز المفاهيمي للعقل الإسلامي الحركي.

وبمقتضى الفورة الإسلاموية التي تعج بها المنطقة العربية والعالم الإسلامي، فقد اختبر المؤلف مفهوم الاستثنائية هذا مع التيارات الإسلامية السياسية المختلفة في العالم العربي والإسلامي وكيفية تعاملها مع السلطة وتقبل شعوبها لها. كما قدم تفسيراً بانورامياً لأسباب انزلاق المنطقة للعنف الذي وَلّد تنظيم "داعش"، وتناول تجارب الإسلاميين في مصر وتركيا وتونس رجاء التأكيد على "الاستثناء الإسلامي"، وساعده في ذلك، أنه التقى بالعديد من الفاعلين الإسلاميين في المنطقة في الفترة التي تلت عام 2011، كي يحاول الخروج بما يشبه التفسير لما آلت إليه الأوضاع بعد أحداث "الفوضى الخلاقة".

والكتاب ــ القائم على أكثر من عشر سنوات من البحث، بما في ذلك أكثر من ست سنوات بين العيش، والسفر، والدراسة في الشرق الأوسط ــ ليس محاولة الفهم الأحداث المرعبة فقط؛ وإنما هو محاولة لفهم قوة الأفكار ودورها في المعارك الوجودية التي زعزعت أسس النظام في الشرق الأوسط، حيث يتناول المؤلف على مدار الكتاب عدداً من المواضيع المتكررة والقضايا التي بذلت قصارى جهده لمعالجتها. على سبيل المثال، عند محاولة فهم الحروب في الشرق الأوسط، وصعود "الدولة الإسلامية"، والانقسامات الثقافية حول شيء قد يبدو تافهاً مثل الرسوم المسيئة لخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، ما أهمية الإسلام حقاً عندئذ؟ هل الأمر متعلق بالدين أم بالسياسة؟ وهل بإمكاننا حتى الفصل بينهما في وقت تشابك فيه المفهومان في عقول المؤمنين وقلوبهم؟

من أجل فهم صراعات اليوم التي تبدو مستعصية في المنطقة، يدعونا المؤلف إلى زيارة تاريخية، والعودة بالتحديد إلى عام 1924؛ أي العام الذي أنهيت فيه الخلافة رسمياً، ومعلوم أن تمثل إحياء الخلافة، هو قاسم مشترك في مشروع الحركات الإسلامية بشكل عام.

هناك حجتان أساسيتان، تشكلان جوهر النصف الأول من هذا الكتاب:

ــ تفيد الأولى أن الإسلام، في الواقع، مُميز في علاقته بالسياسة، وهذا الاختلاف له آثار عميقة على مستقبل الشرق الأوسط، وبالتالي على العالم الذي نعيش فيه بأسره. هذا هو القول المثير للجدل والمثير للقلق، خصوصاً في ظل ارتفاع المشاعر المعادية للمسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا. بتعبير آخر، "الاستثنائية الإسلامية"، وهي عنوان الكتاب، ليست أمراً جيّداً ولا سيئاً، وإنما مجرد أمر كائن، ونحن بحاجة إلى فهم ذلك واحترامه، وإن تعارضت مع آمالنا وتفضيلاتنا الخاصة؛ ويضيف في مقام آخر من الكتاب، أنه إذا كان الإصلاح خاصاً بالتجربة المسيحية مع الاستبداد الديني، وهو شيء لا وجود له حقيقة في السياق الإسلامي[2]، فسيكون من الغريب أن نتوقع حدوث أمر مماثل في العالم الإسلامي. هنالك أيضاً اعتبارات غير محسوسة أهمها أن الإسلام كان أكثر صموداً أمام العلمنة.

ــ أما الحجة الثانية، ولأن العلاقة بين الإسلام والسياسة علاقة مميزة، فإن تكرار النموذج الغربي ــ الإصلاح البروتستانتي الذي تلاه التنوير الذي دفع الدين تدريجيا إلى المجال الخصوصي- ليس أمراً مرجحاً أن يتبع الإسلام ــ الذي هو دين مختلف تماماً بالأساس وتطور مخالف تماماً ــ مساراً مماثلاً كما المسيحية، هو في حد ذاته افتراض غریب.

ومن أجل ولوج هذا المقام، يُسلط شادي حميد الضوء على إمكانات الإصلاح الديني في الإسلام، انطلاقاً من المقارنة مع التجربة المسيحية، مستحضرا الاستثناء الإسلامي، كما دافع عن هذا المعطى الجيل الأول من المفكرين النهضويين، من قبيل محمد عبده ورفاعة الطهطاوي ورشيد رضا والأفغاني وغيرهم، والذين يصفهم المؤلف بالجيل الإسلامي الحداثي، لأن الإسلام، على الأقل كما يراه هؤلاء، "يمكنه استيعاب أي شيء من الغرب ما دام أمراً خيّراً، بينما يتخلص من التجاوزات الثقافية التي تعطي الأولوية للفرد على المجتمع. وهذا ما خلق شعوراً بدیهاً کافياً"، مفاده أنه "إذا كان القرآن كتاباً صالحاً لجميع الأوقات، فبالتالي يجب أن تكون قوانینه ومبادئه مناسبة للعصر الحديث تماماً كما كانت ملائمة للجزيرة العربية في القرن السابع. وإذا كان الله بحكمته قد أوحى الإسلام كدين کامل وشامل، فهذا يمكن أن يعني أن النص والتراث لهما قوة كامنة لتجديد نفسيهما، حتى لو عني ذلك ذهاب الإسلام، حيث لم يذهب من قبل"[3].

من الإشارات التي يوردها المؤلف بخصوص أسباب ظهور الحركات الإسلامية في المنطقة[4]، يُحيل في أكثر من مقام على مكانة النصوص الدينية المؤسسة في المسيحية، مقارنة مع مكانتها عند المسلمين، ومن ذلك مثلاً، أنه في الإسلام، كانت فكرة العودة إلى النص المقدس أكثر عملية. فمع القرآن الكريم، كانت الأصول أقوى، وحين يكون الأمر كذلك، تكون للحركات الإسلامية فرصة أكبر للحضور والمواجهة، لولا أن ما أصبح يعرف لاحقاً بالإحياء الإسلامي أو الإسلاموية، ميزة أخرى غير محتملة: "كان الإسلام، من عجب، أكثر الديانات الإبراهيمية حداثة ومرونة. ليس ذلك فحسب، حيث أثبت القانون الإسلامي، أو الشريعة، أنه أكثر علمانية من المفاهيم المسيحية للقانون والسياسة. هذه نقطة انطلاق حاسمة؛ ذلك أن علمانية الشريعة في ذاتها هي التي جعلتها أكثر أهمية ودويا في السياسة اليوم. لكن كيف يمكن لهذا أن يكون؟ هذه الحقيقة المستبعدة يمكن أن تساعدنا في حل لغز الأهمية المتواصلة للإسلام في عصر العلمانية"[5].

"الإصلاح في الإسلام"، هو عنوان الفصل الثالث من الكتاب، ويمكن ترجمة العنوان إلى الصيغة التالية: الإسلام الديني في الإسلام عبر بوابة الإسلام السياسي، كما تلخص ذلك مضامين العمل ومعه مقدمة الكتاب، حيث التركيز الكبير على دور الحركات الإسلامية في تولي هذه المهمة، بينما الأمر أعقد من ذلك، لاعتبارات عدة، أقلها أننا نتحدث عن حركات سياسية/ دينية، أو قل حركات دينية إيديولوجية، لها كامل الحرية في الدفاع عن مشروعها المجتمعي الإصلاحي، ولكن لم تطلب منها شعوب العالم الإسلامي، أو على الأقل شعوب الدول المعنية في الكتاب (مصر، تركيا وتونس)، أن تكون ناطقة باسمها.

لهذه الاعتبارات، يؤكد الكاتب مراراً على استثنائية العلاقة المنسوجة بين الإسلام كدين والسياسة[6]، وهو ما يحاول فهمه، بدافع أنه دين "باقٍ"، ويمثّل عاملاً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط، وفي الدول الغربية أيضاً. وتقوم أطروحته على أن ما يبدو من صراع في المنطقة، لا يستند فقط على الانقسامات التي تبدو في ظاهرها سياسية؛ أي حول من يمتلك السلطة، بل يتعداها إلى أسئلة أخرى أكبر من قبيل: ما هي طبيعة وأهداف الدولة الحديثة؟ وما هو دور الإسلام في الحياة العامة؟

في خلاصات الفصل الثالث من الكتاب، اعتبر شادي حميد أن الإسلاميين خلقوا "من الضعف قوة، أملاً في التفوق على النخبة، لأنهم كانوا نخبة مضادة[7]. وكانوا يبدوا أنهم أكثر ارتباكاً عندما كانت ظهورهم للحائط. أضحى النضال من أجل البقاء على قيد الحياة هو النصر الذي حققوه. باختصار، كان من المفترض أن تكون الإسلاموية مختلفة. لقد احتاجت جمال عبد الناصر بقدر ما كانت بحاجة إلى حسن البنا. بالنسبة إلى الإسلاميين، كان لا بد من تسييس الدين، إلا أن ذلك كان له ثمن"[8].

يرى المؤلف أن فشل أحداث "الربيع العربي"، ساهم في "مثال مضاد" تقدمه "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو تنظيم "داعش" [محور الفصل السابع]، ولأنه قد يكون الصعود السريع للجماعة في صيف 2014، قد باغت المتتبعين، ولكن أن يزدهر شيء ما مثل تنظيم "داعش" في هذا القرن، في وقت كان من المفترض أن ينحني فيه قوس التاريخ نحو العدالة، لهو أمر مدهش حقاً، خاصة أنها أسست فروعاً في عدة دول، أو "محافظات" حسب التعبير الإسلامي الحركي، بل أخذت أيضاً الحكم وبناء المؤسسات بجدية نسبية، وأجادت فيه أفضل مما قد يتوقع المتتبع - وإن لم يتوقف المؤلف هنا عن التواطؤات الإقليمية التي ساعدت في ولادة الظاهرة - مما يجعلها عدوّاً أكثر جدارة وأشد خطراً، وهو مثير للذعر بطرق عدة، لكنه مع ذلك كان نموذجاً مثيراً، مضيفاً أن تنظيم "داعش" لم يكن في تناقض صارخ مع الإخوان المسلمين وباقي الحركات الإسلامية.

كما خلُص المؤلف إلى أن الحركات الإسلامية قد تحتاج إلى نسيان بعض العقود الأخيرة من التجربة الديمقراطية المتقلبة، لأن الانتخابات وسيلة وليست غاية، المشكلة مع معظم الإسلاميين ليست هي في اعتراضهم على الدولة القومية الحديثة، بل هوسهم بها، حيث عمل الهوس ضدهم، منتجاً عكس ما كانوا يريدون المزيد من عدم الاستقرار والانقسام وحب الدول مفرطة القوة للقبضة السلطوية.

أما أنصاف الحلول لجماعة الإخوان المسلمين، فقد اتضح أنها كانت قاصرة، حيث آمن الإخوان وأتباعهم في استيعاب الإسلام والشريعة الإسلامية داخل الدولة القومية الحديثة، متقبلين العديد من الافتراضات الأساسية للدولة إن لم يكن معظمها، بما يفسر أن التنظيمات المستوحاة من جماعة الإخوان، مع استثناءات قليلة، تبذل جهداً لتقليص الفجوات بين القانون الإسلامي القديم والمعايير الدولية الحديثة، حيث نمت جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب؛ مستخدمة مصطلحات مثل "الدولة المدنية"، "السيادة الشعبية"، "حقوق المرأة"، و"المواطنة"، دون أن يُفيد ذلك أنهم ليبراليون في النهاية.

في الفصل الخامس المُخصص للتجربة الإسلامية الحركية في نسختها التركية، تهمنا هذه الوقفة مع النزعات السلطوية التي بزغت في مرحلة تولي حزب "العدالة والتنمية" الحكم، في شخص الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان، حيث يورد المؤلف بعض الملاحظات حول نزعات أردوغان السلطوية أو الاستبدادية بتعبير المؤلف، فقد كان السؤال الأكثر إثارة، ضمن أسئلة أخرى: لماذا كانت لديه هذه النزعات؟ هل حقا كان كل هم أردوغان السلطة وبكل بساطة استخدام الدين لحشد قاعدته وتعزيز السلطة؟ أم أن الأمر على عكس ذلك؟ قبل أن يخلُصَ إلى أن "أردوغان كان نتاجاً مميزاً للثقافة والتقليد السياسي الاستبدادي والدولاتي التركي، وبالتالي لا يمكن أن يكون خلاف ذلك"، وأن الإسلاميين هناك لا يمكنهم الانحراف جذرياً عن سياقهم الاجتماعي، فبقدر ما يأملون في تغيير ما حولهم، فإنهم يجدون أنفسهم متغيرين أثناء العملية"[9].

فيما يتعلق بالتجربة الإخوانية التونسية، والمجسدة بالتحديد في مشروع حركة وحزب النهضة الإسلامي الحركي، كما نقرأ ذلك في الفصل السادس من العمل، فقد اعتبر شادي حميد أنه على الرغم من إبراز المشروع الإخواني مظاهر الحزب العصري، فإن حركة النهضة لم تكن كذلك تماماً، بل كانت أشبه بالأسرة، مورداَ لشهادة من الداخل، وصادرة عن المسئول السابق في حزب النهضة رياض الشايبي، وجاء فيها: "إن ترك الحزب هو تقريباً بمثابة ترك دينك"[10] [كذا]، معتبراً أن "حزب النهضة، مثل معظم الأحزاب الإسلامية، هو حزب شمولي. فالتنظيمات المستوحاة من الإخوان هي أولاً وقبل كل شيء حرکات قبل أن تكون أحزاباً، وجدت لتشمل كل جانب من جوانب الحياة؛ فهي توفر تعليماً دينياً وتنظم العمل الخيري. وربما الأهم، أنها توفر الإحساس بالانتماء للمجتمع - بالانتماء والأخوة - في وقت المجتمعات فيه مهددة بالتمزق. في السياقات التي تكون فيها الدولة قوية والمجتمع ضعيفاً، بإمكان هذه الحركات أن تملأ الفجوة".

هناك إشارة مهمة في هذا السياق، ولا تهم تأمل مشروع حركة/ حزب النهضة الإخواني وحسب، وإنما تهم أداء المشروع الإسلامي الحركي برمته في المنطقة، وفي الغرب أيضاً، ولو أن المؤلف لم يتوقف عند هذه الجزئية الخاصة بأداء الإسلاميين في الساحة الغربية، وخاصة في الساحة الأوربية، ربما رغبة منه في عدم إثارة تسليط الضوء على القلاقل التي يتسبب فيها المشروع الإسلامي الحركي هناك للمسلمين والأوروبيين على حد سواء.

تفيد هذه الإشارة إلى أن أغلب الباحثين والأكاديميين الذين يشتغلون على ظاهرة الحركات الإسلامية، مالوا، لأسباب مفهومة، إلى التركيز على ما يفعله الإسلاميون عموماً، خاصة وأنه تسهل مراقبة السلوك المرئي، كما يمكن قياسه لأنه ملموس بشكل أو بآخر، ولكن من جهة أخرى، فالتركيز على حقيقة الإسلاميين أمر صعب؛ لأن المرء لا يمكن أبداً أن يعرف حقاً ما في قلوب الرجال. وأضاف أيضاً أن الطبيعة الشمولية للأحزاب الإسلامية هي إحدى علاماتهم الفارقة التي لا تناقش رغم أهميتها، لأن هذه الأحزاب لا تنحصر في ذلك فهي حركات تأخذ العضوية فيها معنى وازنا، وهذا حال خاص بالتنظيمات المستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين، التي تدرجت عادة في مستويات العضوية. ومع ذلك، فقد كانت النهضة حزباً وحركة في آن واحد؛ أي إن الانضمام إلى الأولى يعني أن تكون جزءًا من الأخير، على غرار السائد في الحالة المغربية مع مشروع حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، ولو إن المؤلف لم يتوقف قط في الكتاب عند الظاهرة الإخوانية في نسختها المغربية.


[1] شادي حميد، "الاستثنائية الإسلامية: كيف يُعيد الصراع حول الإسلام تشكيل العالم، ترجمة صلاح حيدوري، مراجعة خالد بن مهدي، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، ط 1، 2018

[2] يُضيف المؤلف أن "محاولة استخلاص أوجه الشبه مع المناطق الأخرى هي محاولة قاصرة. فعلى سبيل المثال، يحاول بعضنا المقارنة بين دور الإسلام في العالم العربي اليوم بالدور الذي لعبته المسيحية في أوروبا في القرون الوسطى. ولكن هنا تبرز الاختلافات المستمدة على مر العصور". ص 30

[3] شادي حميد، مرجع سابق، ص 224

[4] توقف عند ذلك ملياً في الفصلين الثاني والثالث.

[5] شادي حميد، مرجع سابق، ص 91

[6] إنها نفس أطروحة المستشرق الكندي/ الفلسطيني وائل حلاق، في كتابه "الدولة المستحيلة ومأزق الحداثة الأخلاقي" [2015، النسخة العربية]، مع فارق طريف ودقيق أشار إليه الباحث خالد الحروب، مفاده أنه وائل حلاق "لا يقول ما يقوله سيد قطب، مباشرة ونصاً وتنظيراً. لكن أية قراءة "أصولية" ومتأنية لكتابه تصل بالقارئ إلى نفس المحطة "القطبية"، معتبراً أن أهمية الكتاب، و"هي مفارقة كبيرة، تأتي من برهنته على أمر لم يكن احد أهدافه: وهو استحالة خلط الدين بالسياسة. الكتاب يثبت أنه لا مكان لشيء اسمه دولة إسلامية في الزمن الحديث، لأن الدولة الحديثة تتعارض مع الحكم الإسلامي".

انظر: خالد الحروب، سيد قطب متخفياً في كتاب "استحالة الدولة الإسلامية"، موقع "قنطرة" الألماني"، 19 أبريل 2018، على الرابط المختصر التالي: https://bit.ly/2kUfb27

[7] يذهب الباحث المغربي محمد الطوزي، المتخصص في الحركات الإسلامية المغربية والمغاربية، في أطروحة جامعية شهيرة إلى أن الإسلاميين يؤسسون لحقل ديني مضاد للحقل الديني الذي تؤسسه الدولة الوطنية أنظر:

Mohamed Tozy, Champ et contre champ politico-religieux au Maroc, Thèse d'État: Science politique: Aix-Marseille 3: 1984.

[8] شادي حميد، مرجع سابق، ص 124

[9] شادي حميد، مرجع سابق، ص 124

[10] شادي حميد، مرجع سابق، ص 224