الكلي وتصاريفه لغة الفلسفـة بين ريكور وليفيناس


فئة :  أبحاث محكمة

الكلي وتصاريفه  لغة الفلسفـة بين ريكور وليفيناس

الكلي وتصاريفه[1]

لغة الفلسفـة بين ريكور وليفيناس[2]

فتحي إنقزو[3]

«فَكَانَ عَيْنِي فَكُنْتُ عَيْنَهُ          وَكَانَ كَوْنِي فَكُنْتُ كَوْنَهُ»

ابن عربي: التجليات الإلهية

تقديم: تنزُّلات الكلي أو من أثينا إلى القدس

قد لا يكون أنسب للابتداء، في مقام التكريم بالخصوص، من التذكير بالمعاني التي كانت عند أصحاب الفكر دوماً هي المعاني الأوائل من التي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان قبل كل شيءٍ: معاني الضيافة والكرم والجود والعطاء، ومعاني الاعتراف والتعارف، والتبادل والتكافل، وما يُشتق من هذه الأصول والمكارم الأولى من الواقعات الأنطولوجية والأخلاقية الأساسية التأسيسية: العدلُ، والإحسانُ، وإيتاء ذي القربى، والمروءة والبرّ... قبل كلّ فلسفة وقبل كلّ ميتافيزيقا، ثمّة ممكناتٌ أولى هي المشترك البشري في معناه الأوسع، هي شروط احتمال قصوى لوجود دنيويٍّ على شفا التحول في كلّ حين إلى معترك جحيمي مستعر؛ هي شروط العيش والتعايش، وأحوال السّلم والتسالم... ذلك هو المقام المشترك الذي تمكث فيه البشرية على حال من الفقر الأول، عاريةً من الحيل، ملقاةً في حَدثيّةٍ أولى، هي حال الآدمية الأصليّة قبل اللغة والقول، وقبل الزمان والتاريخ، كما تُروى وتُنقل في نصوص ومأثورات، وكما تنسجها القَصص والحكايات.

شيءٌ من هذا المقام جامعٌ بين الناس من كل ملة ولسان: هو شيءٌ سابقٌ إلى النفس سبق وجود وتكوين، حوله يختصم الفلاسفة، وفيه تتراءى أبجديات الكلام، ولديه تولد الرؤى والنبوءات. هو مقامٌ في أحرف التكوين الأولى، من التي يحفل بها النص الفلسفي، والفينومينولوجي المعاصر بوجه أخص، ويصطنع منها لغته؛ ثم يأتي الرفع والنقل والتعبير: إذ الشأن أن تُحمل هذه المعاني قبل-الأنطولوجية وقبل-الميتافيزيقية إلى اللغة والعبارة والفكر: الماوراء، والتعالي، والعلو، والغيب، وغيرها من أحرف التجاوز والعبور والتعدي[1]، هي البدأة الثانية: وعيٌ وقصدٌ وإحساسٌ، عدلٌ ولغةٌ وكتابةٌ. بين هاتين الحركتين يقع اللّقاء ويحدث الفراق في آن بين ريكور وليفيناس[2]. كلاهما مفكر برأسين: رأس إغريقية فلسفية من أرض الفكر والعقل والمنطق موروثة عن أهل يونان وحكمائها؛ ورأس عبرانية توحيدية يهودية-مسيحية ذات نسب كتابي، آتية من زمان بعيد، من أنبياء بني إسرائيل وأوليائهم. بين إبراهيم وسقراط، بين عيسى وأفلاطون؛ بين تاريخ مقدس وتاريخ دنيوي عالمي، يشترك الفيلسوفان ويتنازعان تنازع العماليق: أيٌّ من هذين المرجعين هو منبع الكلي؟ ما موقع البشري من هذا الكلي: ذاتٌ أم وجودٌ؟ نفسٌ أم غيرٌ؟ وما نمط الوحدة التي ينطوي عليها قوامه: وحدة التناسب والاعتدال والتبادل المتكافئ بين النظراء أم وحدة الاختلال وعدم التناظر والتقايس بين أغيار لامتناهية في الغيرية، بل في الغيرة بعضها من بعض؟ ليس لنا، في مقام الحوار والمناظرة والنزاع الذي يجمع الرجلين وجهاً لوجهٍ، بدّ من الارتحال مرة أخرى بين أثينا والقدس جيئةً وذهاباً، وليس لنا إلا أن نتدبر المسافة بينهما كأنها الفاصلة الكبرى بين الأرض والسماء، بين الحكمة والنبوة، بين حاضرة الدنيا وحاضرة الآخرة[3].

إن التأمل في النصوص والشواهد، التي تحفل بمواقف وتحليلات وتقديرات متفاوتة الأهمية والمتانة صاغها ريكور في مناسبات كثيرة في الفترة المتأخرة من فلسفته، يدفعنا إلى انتظام مناقشاته لمواقف ليفيناس على وتيرة ثلاثية: 1. المناظرة مع مسألة الغيرية ضمن أفق الهوية السردية وإشكالية الشهادة/الإشهاد التي هي محور عصبي لأثر (1990): عينُ الذّات غيراً، وما أحاط به من السياقات والمجادلات؛ 2. القراءة التأويلية لحجة كتاب (1974) -ثاني كتب ليفيناس الكبرى- في نص نشره ريكور سنة (1997) بإمكاننا مؤقتاً أن نضعها تحت لواء اللغة: لغة الغير ولغة المسؤولية عن الغير؛ 3.التحليل الأخير لفينومينولوجيا ليفيناس في الفصل الأول من الدراسة الثالثة من الكتاب الأخير لبول ريكور: سيرة الاعتراف (2004) - وصيته الفلسفية وشهادته الأخيرة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا