التّرجمة، ترجمة الذات وإنشائيّة المعنى


فئة :  مقالات

التّرجمة، ترجمة الذات وإنشائيّة المعنى

التّرجمة، ترجمة الذات وإنشائيّة المعنى[1]

خليل قويعة[2]

ليست التّرجمة مجرّد نقل للمضامين من لغة إلى أخرى، إنّها تفسير وتأويل وإدماج لصورة الذّات المترجـِمة، تمثلاتها للأفكار ومواقفها المعلنة وغير المعلنة. فلعلاقة المترجم بالنّصّ الأصلي حضور مؤثر بما يجعل شخصيّته ركناً مهمّاً في تكوين الانطباع العام الذي يتبلور لدى القارئ. كما أنّ التّرجمة غير معزولة عن السّياق التّاريخي والحضاري والمفاهيمي الذي احتضن عمليّة إنتاج النّص الأصلي، ويحتضن عمليّة إنشاء النّص المترجم. فالنّصوص أبناء سياقاتها. وما ترجمة نصّ إلا محاولة لاستحضار السّياق المحيط به في الماضي بالعمل على إعادة تركيبه، تركيباً يمَكّن المترجم من أن يصبغ سياق النّص بملوّنات حاضره؛ إذ للمترجم من التّمثلات الخاصّة ما يجعلها تتدخّل في تشكيل هذا السّياق. فهل سيؤول الأمر إلى تحويل لهويّة النّص الأصلي، بالضّرورة؟ أيّهما الأبرز في مسار الصّمود، صمود النّص الأصلي أمام مترجمه أم صمود المترجم أمام ما يترجم؟ وإذا كان النّص الأصلي شاهداً على الذات، فهل سيكون شاهداً على المكان الذي ترعرعت فيه، وعندها كيف تكون التّرجمة ترجمة للمكان في زمن قد يكون مختلفاً؟ كيف للتّرجمة أن تكون تداخلاً جغرافيّاً عبر النّصوص؟ وكيف يمكن التّطرّق إلى أفعال القرب والبعد؟

مثل هذه االمسائل، ذات الطبيعة الفلسفيّة واللّغويّة، يمكن إثارتها مع مارتن هايدغر بالرّجوع إلى «حديث أناكسيماندر»[3]، الذي نشره في نصّ مستقلّ ضمن كتابه (دروب غير نافذة)[4]، وكذلك «حوار حول اللّغة مع ياباني» الذي نشر ضمن (مسالك نحو الكلام)[5]، الذي يُعدّ فصلاً مهمّاً في مقاربته للمسألة اللّغويّة، وذلك في معرض تناولاته للميتافيزيقا الغربيّة.

في كلا النّصّين، يجد هايدغر في ظاهرة الحوار ما بين الثقافات واللّغات مجالاً للتّلاقي بين البشر على اختلاف لغاتهم. وسواء تعلّق الأمر باليونانيّة أم الألمانيّة أم اليابانيّة. إنّ مباحثة هويّة المعنى في ظلّ اختلاف اللّغات لا تتمّ دون إمكان أن تحتمل النّصوص استعداداً لعقد حوار بينها كفيل بالتّواصل رغم الاختلاف، وهو ما يمكن تنزيله في الأدب الألماني، داخل قصائد هولدرلين (1770-1843)، تحديداً، وهو القائل: «منذ أن عرف الإنسان الحوار/ استطاع سماع/ أخيه الإنسان». ولقد رأى هايدغر في هولدرلين شاعراً متشبّعاً بأعماق اللّغة اليونانيّة يباحث في حقيقة الوجود ويتغنّى بالحوار الإنساني ويستلهم صوره من إحساسه بجماليّة الطبيعة ومشاهد الغاب التي احتلّت موقعاً مهمّاً في لغة هايدغر عن الوجود. ومن ذلك قصيدة «أنشودة الطبيعة» و«أنشودة إلى إيستر» (Der Ister)، التي عَدَّها البعض تصويراً شعريّاً لفلسفة هايدغر وعلاقته الخصبة بشعر هولدرلين[6]؛ إذ هي نتاج انصهار بين فكرتي الموت والحياة في بعد كونيّ[7].

ولنا أن نباحث في هايدغر حكمة هولدرلين، التي طبعت شعره بروح التّواصل والحوار، اعتماداً على تصوّره للغة، وهي تقارب حقيقة الوجود. وما الوجود في العالم إلا فرصة لعقد حوار بين إنّية وغيريّة عبر اللّغة، وما يستتبع ذلك من كيفيّات العرض والمعرفة، بل وليس المنطوق البيانيّ سوى تواصل صريح[8]؛ «فهو يمكّن الآخر من رؤية ما هو معروض وذلك بتحديده»، وهو ما يقتضي اعتباراً لحقيقة الوجود في العالم، «هذا العالم، تحديداً، الذي بالانطلاق منه، يُعرف ما هو معروض»[9]؛ بل إنّ كلاّ من المنطوق البيانيّ والكلام ليس سوى متّجَهٍ أنطولوجيّ ومعرفيّ نحو هذا الآخر وجسرٍ لحضوره. وهو ما يفيد لدى كلّ من الفيلسوف والشاعر أنّ الكلام ليس فقط ما يستوجب الإنصات إلى الآخر بوصفه معادلاً جدليّاً على نحو آنيّ، بل «هو إنصات قبل كلّ شيء»[10]. ولكن، لنا أن نسأل إن كان هذا الوجود مع الآخر في العالم إجراءً تقتضيه فلسفة هايدغر بما هي بحث في كينونة كونيّة على أساس المهامّ التّواصليّة والصّيغ الحواريّة الخلّاقة من وراء استعمال اللّغة (بحيث ليس ضرورة أن يكون حضور الآخر هاهنا من داخل دور اجتماعيّ حيّ)؟

لا ريب في أنّ هذا الآخر، الذي يقيم هايدغر حواراً معه، ليس سوى طرفٍ في الكون الشّمولي للأنا المحدّدة، من داخل أفق ثقافيّ بعينه. وما حواره مع هولدرلين، عاشق اللّغة اليونانيّة، أو مع أناكسيماندر اليوناني، إلّا إعلاءً لجانب أساسيّ من الكون الفلسفي الذي يدافع عنه الفيلسوف، والذي يتأسّس على العقل اللّغوي اليونانيّ (logos). فما يقصده هايدغر من الحوار إنّما هو حوار الفكر الأوربّي مع نفسه، حامل لواء هذا العقل اللّغوي (حوار مع المنطوق اليونانيّ عبر أنشودتي هولدرلين، في الطبيعة وداي إيستر وغيرهما أو عبر قصائد تراكل)، وهو القائل: «يجب علينا الدّخول في حوار مع التّجربة الإغريقيّة للّغة بوصفها لوغوساً. لماذا؟ لأنّه دون تأمّل كافٍ في اللّغة ليس لنا أبداً أن نعرف فعلاً ما الفلسفة، من حيث إنّها كانت تتميّز بوصفها تراسلاً، وما الفلسفة بوصفها طريقة في القول مرموقة»[11]. أمّا إذا تعلّق الأمر بــ «حديث مع يابانيّ حول الكلام»، فإنّ من شأن هذا اللّوغوس أن يؤمّن ترجمة ممكنة بين لغتين مختلفتين[12]. ولعلّ ما يبدو من قبيل المفارقة في هذا الصّدد، هو كيف يمكن للّوغوس أن يمثل ترجمة بين اللّغات لدى هايدغر، هذا الذي يَعدّه محلّ خلاف، وليس ملكاً مشاعاً لدى البشر أو مقوّماً من مقوّمات لغاتهم؟! كيف يمكن لما عُدَّ اختلافاً وتفريقاً، أو ميزة لشعوب دون أخرى، أن يقود تواصلاً أو يؤسّس حواراً؟ إذ اللّوغوس عماد الفلسفة لدى هايدغر والفلسفة يونانيّة أو لا تكون.

وعليه، إذا ما التمسنا في صاحب (الوجود والزّمن) حقيقة «أنّنا حوار»، بلغة هولدرلين، وأنّ الحوار ماهيّة الكلام وكلّ بيان منطوق، وهو ما يشرّع لضرورة بقاء الكلام نفسه لتأمين هذا الدّور[13]، فليس ذلك من داخل ما يُسمّى بـ «أنطولوجيا اجتماعية»، بحسب سوزانا ليندبرغ[14]، بل كان إيمانويل ليفيناس قد نفى إمكانيّة أن يؤدي هذا التّعالق مع الآخر دوراً في ركح الوجود ولا في التّحليليّة الوجوديّة[15]؛ بل إنّ هايدغر لا يتوافّر، أصلاً على أيّ سؤال فعلي يتعلّق بالآخر الاجتماعي المختلف...

فالحوار لدى هايدغر ضرورة للتّفلسف يحتّمها جدل الكلام مع الفلاسفة. إلا إنّ فعل الكلام نفسه (légein) جدل وحوار بالطّبيعة[16]؛ بل ويمكن اختزال كلّ الموقف الفلسفي الأصيل، بمعنى «الأوروبّي» بحسب هايدغر، في التّراسل السّيمنطيقي بين اللّغات التي تنشغل بالفلسفة وسؤالها المبدئي؛ أي سؤال الوجود تحديداً[17]، وهو ما يحصر لعبة الحوار في رقعة ثقافيّة بعينها هي التي اختـُرع فيها المبحث الفلسفي وانتشر ونشط.

في حواره مع رجل يابانيّ صرّح هايدغر بأنّه قد فهم بعناء فحوى كلام بدا له غريباً؛ وذلك نظراً لتشبّثه بما يسمّيه «اللّغة الأوروبيّة» التي تسكنه ويسكنها، بما هي وطن الكينونة. وما يقصده باللّغة الأوروبيّة ليس سوى لغة الحوار والفلسفة، وهي إمّا اليونانيّة وإمّا الألمانيّة على وجه الخصوص. وعلى مدى عشر صفحات (من 99 إلى 108) تقع مباحثة إمكان التّلاقي مع المفردات المفاتيح في التّجربة اليابانيّة للكلام، وهو المحكّ الذي توضع عليه الاستطيقا الغربيّة. وفي هذا المستوى، يقع حذف الشحنات التّاريخيّة والمفاهيميّة للمفردات المترجمة من لغة المصدر (اليابانيّة) إلى لغة الهدف المترجم إليها (الألمانيّة)، ليؤول الأمر إلى نوع من الخواء أو اللاتلاقي، يفضح إنشائيّة الفهم والطابع المصطنع للتّرجمة[18].

وأولى هذه المفردات هي مفردة «iki» التي تفترض جهداً تأويليّاً في التّطرّق إلى تجربة الكلام عبر اللّغة. وبحسَب ج الياباني، تفيد هذه المفردة هذا «الإشعاع الحسّي أو هذا الانخطاف/ النّشوة/ الافتتان (ravissement) الفيّاض إزاء شيء خارق بصدد الظهور الشفيف (transparaitre)». ولنا أن نسأل كيف جسّد هذا المثال مفارقات التّرجمة ومزالقها؟ وكيف أدّى إلى أن تكون نوعاً من العنف المسلّط على بنية ثقافيّة وسياقيّة تستند إليها المفردة في لغتها الأصليّة؟

يتمثل الإحراج في ترجمة هذه المفردة من خلال مقارنة سطحيّة تعمل على احتواء الملفوظ اليابانيّ على أساس ضروب في الفكر شائعة تتعلّق بالميتافيزيقا الأوربيّة التي تميّز بين الانفعال الاستطيقي (esthéta) وبين الفكر الذهني والمعرفي (noeta). ويكمن الخطر، في هذا المثال، في عدم إدراك اللّغة الأوروبيّة لكلمتي «iro» و«kouou»اللتين تمثلان معنى«iki»؛ إذ إنّ فهم هايدغر لهذه المفردة متشرّب بمشروع الميتافيزيقا الأوربيّة بل موجّه بها في إدراك الأشياء بما لا يحتمله المنطوق الياباني. وهكذا، فالتّضارب المفاهيمي، الذي يقوم عليه الفكر الهايدغري، والذي يستوعب الميتافيزيقا الأوروبيّة ما بين الوجود والعدم، سيعمل على تكوين هالة بين المترجم والمعنى؛ حيث ينتهي الفهم إلى غير ما تفيده لفظة «iki» المستفادة من الجماليّات اليابانيّة وإدراكيّة الألوان والمساحات في فنّ الرّسم الياباني.

تفيد لفظة «iro» اللّون، فيما تفيد لفظة «kouou» الفراغ (vide). لكنّ هذا الفراغ لا يفيد العدم في اللّغة اليابانيّة، وهو ما يتوافق مع مفاهيم بناء الفضاء في الفنون التّشكيليّة بمختلف فروعها، قديمها وحديثها (وكما يُعدّ الفنّ التّجريدي العربي الإسلامي تضايفاً إيقاعيّاً بين الخلاء والملاء، كما في الخطّ العربي والعربسة (الأرابسك)؛ إذ الفراغات التي تتخلّل الحروف في الخط الكوفي، مثلاً، هي حروف بحدّ ذاتها... فكذلك الفراغ في اللّوحة التّجريديّة الحديثة، بدءاً من كاندنسكي وموندريان... ليس سوى عنصرٍ بنائيٍّ في تكوينيّة الفضاء التّصويري، بل هو علامة تشكيليّة في حدّ ذاته، وليس انعداماً للشكل أو العلامة، وهو ذو قيمة في ديناميّة الفضاء واستقطاب النّظر)[19].

كما يتوافق هذا التّماهي الشرقي بين الفراغ والوجود (أو هذا التّعارض بين الفراغ والعدم) مع التّصوّرات التي وضعها منظّرو الطاويّة، مثل الفيلسوف الصّيني لاو تشي (القرنين الرّابع والثالث ق. م.)؛ حيث يبدو الفراغ متعارضاً مع الوجود على مستوى التّسمية، ولكنّهما في الحقيقة متكاملان، ويمثلان وحدة في المعنى غير قابلة للقسمة والتّفصيل؛ بل الفراغ يمثّل محور الفلسفة الطاويّة حول الوجود:

«اللّاوجود والوجود يَنتـُجان من العمق الواحد نفسه. لا يختلفان سوى من حيث التّسمية. وهذا العمق الواحد هو السّديم عينه». كما يُضيف لاو تشي في شأن هذا الفراغ السّديميّ المظلم، الذي لا وجود له وهو أصل الوجود: «إذ ننظر إليه فلا نراه، إنّنا نسمّيه اللاّمرئيّ. وإذ ننصت إليه فلا ندركه سمعيّاً، إنّنا نسمّيه اللامسموع. وإذ نلمسه، فلا نحسّ به؛ إنّنا نسمّيه اللاّمحسوس. وهذه الحالات الثلاث؛ حيث يكون الجوهر فيها غير قابل للتّفسير والإدراك، إنّما تختلط في النّهاية ضمن شيء واحدٍ»[20]. وذلك على عكس ما هو عليه الأمر في الاستطيقا الأوربيّة التي قامت على التّمييز بين الذّهني (الهندسي) والانفعاليّ (الغنائيّ)/ أو بين الحضور والغياب/ الغياب والتّجلّي... وليس من باب الاعتباط أن يصف الباحث اليونانيّ الفرنسي ألكسندر بابا دوبولو الفنّ العربيّ الإسلاميّ بـ«جماليّة الغموض»، بمعنى غموض الميتا- مرئيّ، أو بـ «جماليّة الرّعب من الفراغ».[21]

ففي اللّغة اليابانيّة ليس ثمّة اختلاف بين المعنى المحسوس والمعنى المجرّد، ومن ثمّة لا وجود للتعارض الميتافيزيقي بين المرئي واللامرئي، ذاك الذي يوجد بقوّة في اللّغة الأوربيّة، وقد نحتَ منه بول كلي تصوّره للفنّ بما هو جعل اللامرئي مرئيّاً. وهو ما لاحظه ج في هذا الحوار، وحذّر منه في تولّي مهمّة ترجمة لغته؛ «ذلك لأنّ اللّغة هاهنا تقوم على الاختلافات الميتافيزيقيّة ما بين محسوس وغير محسوس [أو لوغوس]؛ حيث إنّ العناصر الأساسيّة، الصّوت والحرف من جهة، والدّلالة والمعنى من جهة أخرى، هي ما يسند بنية اللّغة»[22]. وما يجمعه اليابانيّ في رمزين، تصويتاً وكتابةً (idéogramme)، يفسّره الألمانيّ في جملة طويلة تجازف بالمعنى المباشر للفظة «iki» من قبيل: «ما يأتي للإبهار بأناقة [أو لطافة]»[23]، أو كذلك: «نسمات السّلام اللّطيف الذي تحدثه النّشوة المشعّة».[24]

وهكذا، يكون الانزلاق في مغبّة أن تكون التّرجمة عنفاً ألمانيّاً مسلّطاً على اللّغة اليابانيّة من حيث إنّها تكيّف المعنى الأصيل لما هو سطحيّ في الفهم؛ عنفاً شبيهاً بما تعكسه نظارات المترجم الملوّنة من خصوصيّة في الرّؤية على ما يراه في الملفوظ، و«يعتقد» أنّه حقيقة (كيف أنساه وهو يسكن جنبي ويلمع في قرّة عيني؟»!). فالعلاقة المباشرة بالوجود والكائن (Etre et Etant) تضع كلاً من الفراغ واللّون في نوع من الانصهار داخل المعترك اللّساني اليابانيّ المخصوص. بينما في لغة الاستطيقا والميتافيزيقا تمثّل العبارة مشروعاً للحلول في طرف آخــر (Autre)[25]، هو أبعد عن هذه العلاقة المباشرة، وليس مصرّحاً به في الخطاب الملفوظ[26]. وعلى هذا النّحو، تضيع كلّ محاولة لترجمة لفظتـَي «iro» و«kouou»، ليقع اختزالهما في مجرّد نقل (translation) من لفظ إلى آخر. ولئن يفيد اللّفظ الأوّل دلالة اللّون، فإنّه لا يتجاوز أساساً ما هو مدرَك على المستوى الحسّي. وبالتّوازي، لئن يفيد الثاني معنى الفراغ والمفتوح فإنّه يعني شيئاً آخر مختلفاً عمّا هو خارق للمحسوس (suprasensible)[27]. ومن المفارقة هاهنا أن نترجم المحسوس (الياباني) بالتّجريد المعرفي والاستطيقي (الأوروبّي). فكأنّنا في هذا المستوى، نعمل على إخضاع المعنى المباشر إلى نوع من الدّيالكتيك المثالي المتدرّج (من المحسوس إلى اللّوغوس الأسمى)، أو إلى التّجريد المعرفي من الحسّ إلى المعقولات الذهنيّة، كما في التّقليد المشائي... وهو ما يهدّد بتشويه الجماليّة اليابانيّة من الدّاخل، ويشكّل نوعاً من خطر الاستعمار، استعمار فضاء الفكر الياباني البريء من استراتيجيّات النّفي والتّأكيد التي تقودها الذات صُلب المركزيّة- الأوربيّة[28]. فهل ستحتمل التّرجمة عنفاً مسلّطاً وتجفيفاً للينابيع تمارسهما الذات على الآخر، وهو شغل تتّحد فيه الجهود ما بين مؤرّخي الفلاسفة والجماليّين ومؤرّخي الفنّ؟[29] وبعدُ، ألم يفسّر هيغل فصولاً من تاريخ الفنّ غير الغربي بنظرته إلى تاريخيّة العقل؟ ألم يدعُ أرنست غومبردغ زملاءه المؤرّخين إلى ألّا ينظروا إلى فنون الشعوب الأخرى إلا بما يخدم التّعريف بالفنّ الغربي ويؤكّد إشعاعه؟[30]

وإزاء هذا العنف المسلّط وعمليّة تجفيف المنابع هذه، يؤكّد ج أنّ اللّغة (ويقصد اليابانيّة) تعمل على تنشيط آليّة المقاومة بها؛ حيث تخبّئُ كنوز تعبيريّتها وثرائها الدّلالي في مخابئ اللامقول (non-dit) بما هو إجابة على «الانبهار الأعمى» تجاه الهيمنة الأوربيّة، إذ يقع إخفاء المعنى وسيلةً للدّفاع. على أنّ اللامقول، هاهنا، يختلف عن اللاّمنقال (indicible) الذي يفترض الانفتاح على تعدّديّة المعاني المحتملة (polysémie) وقدرة الملفوظ على استقبال ما يحتمله الكلام من آفاق للفهم. هل نحن إزاء مسارين للفكر مختلفين أساسهما واحد هو حقيقة الوجود؟

إنّ منزل الوجود، الذي يسكنه هايدغر، مُقام على أرض محدّدة، متجذّر فيها. فيما يجد في اللّغة الحميمة (Heimat) تجلّياً له وتجسيداً لهذه الأرض؛ إذ هو هذا المنزل المحسوس الذي يحتمل معاني خفيّة. بل من خلاله تبحث الميتافيزيقا لنفسها عن سُبل للموضعة (objectivation) هي اللّغة والكلام بما هما مسكن الوجود ووطن الكينونة. ولقد كان تصوّر هايدغر للوجود حاضراً بقوّة في حواره، بل في مجابهته اللغة اليابانيّة؛ حيث لا ترجمة للوجود إلا من خلال مفردتي «الفراغ» و«اللاّشيء» أو «الهواء»!... إذ اللاشيء مرادف للوجود عند اليابانيّين ولدى الطّاويّة، بينما هو العدميّة عينها لدى الأوربّيين، حيث يشتبه الفراغ مع مجرّد اللاشيء (le Rien)، وهو هذا الطرح الذي يستفزّ الفكر لتدبّر آفاقه في شيء آخـر، بالمقارنة مع كلّ ما يكون حاضراً وما يغيب[31].

إنّ مفهوم «iki» يقودنا إلى مصدر الطرح الأنطولوجي لدى هايدغر، الذي يتمحور حول «منزل الوجود». بيد أنّ الإحراج المركزي لا يكمن فقط في موقعه من اللّغة، بل بصفة أعمق في طريقة سُكنى هذه اللّغة التي تقول الوجود. ولئن وجدت عبارة «منزل الوجود» صدى لها لدى ج، فلأنّ الأمر يتعلّق بصورة مجازيّة نشأت من التقاء لفظ يحيل إلى محسوس مكانيّ ولفظ مركزيّ في الفلسفة الأوربيّة وهو «الوجود»، بطريقة تشبه تلك التي يتجاور بها كلّ من لفظي «اللّون» و«الفراغ»؛ ليتـّحِدَا داخل المنطوق الياباني.

وهكذا، إذا كان مدار مبحث هايدغر في الحوار مع رجل يابانيّ هو حوار بين غرب وشرق أقصى، فإنّ المدار العام لحديث أناكسيماندر هو حوار بين الغرب ونفسه ومباحثة هويّته عبر تاريخه. وبين هذا وذاك يتعلّق الأمر بالحوار مع الذات أو مع الآخر عن طريق التّرجمة. وقد رأينا إلى أيّ مدى تؤول التّرجمة إلى ترجمة الذات أمام النّصّ الأصلي. فقد يعي المترجم بضرورة الالتزام بالفهم الدّقيق للنّصّ الأصلي، ولكنّ التّرجمة لا تكون ممكنة إلا بواسطة الفعل الإنشائيّ الذي يمارسه المترجم في معاشرته للنّصّ. هل يفترض حضور الذّات في إنشائيّة فهمها للنّص الأصليّ حواراً يتجاوز السّياقات الثقافيّة ليتّجه إلى الأمكنة؟

لا ريب، تلامس المسألة موقعـيّة كلّ من الكاتب والمترجم؛ إذ تتعلّق بالمكان الذي قيل فيه النّص الأصلي، وقد يتطلّب الأمر مخالطته قبل ترجمته، مثلما تتعلّق بالمكان الذي ينتمي إليه المترجم، هذا المكان الذي قد يفرض نفسه على فهم النّص. وكأنّنا بالمترجم إزاء نوع من التّجاذب المكاني، فهو مدعوّ إلى تحديد الموقع الذي قيل فيه النّص الأصليّ، دلاليّاً، أو من خلال التّعليق المصاحب، فيما هو أيضاً مثقل بالمكان الذي يفكّر فيه وبه. وليست سيميولوجيّة المكان مجرّد توصيف للمعطى الزّمني أو التّاريخي أو الجغرافي، بل هي تتشكّل من جديد داخل بنية الوعي الدّلالي وجنيـنيّة المعنى، وهو ما يؤدّي إلى اللّجوء إلى اللاّمَقـُول؛ أي الذي لم يأتِ النّص على ذكره، وما يمكن أن يكون حدثاً لمستقبل النّص وما سيوجد في قادم القراءات، صراحة أو إضماراً. وفي هذا المستوى، عديدة هي المزالق التي تقع فيها التّرجمة، حيث يقع التّعاطي مع خصائص عبقريّة النّص بالرّجوع إلى عبقريّة المكان، وهو نوع من التّعاطي الموجّه في القراءات الآليّة، كما هو الأمر لدى عديد البنيويّين (المكان ك ولادة المؤلّف ك ولادة النّص).

وفي المقابل، إذا استفدنا من البحث في الكلّيات ما بين الخطابات المختلفة (les universaux)، تلك التي وضّحها جورج مونان في (المسائل النّظريّة للتّرجمة)[32]، ومن النّجاحات التي أكّدها المناطقة والوضعيّون الجدد بصفة خاصّة، في البحث عن البناء المنطقيّ للعالم من داخل البحث اللّغوي المنطقي... فسنعمل حتماً على معاضدة الأبحاث القديمة في إمكان وجود لغة عالميّة، كما هو الشأن في فرضيّات ديكارت وليبنتز، على الأقلّ من جهة أنّ كلّ اللّغات تتوافر على عناصر الأسماء والأفعال. وعندها سنتساءل عن جدوى التّرجمة في فضاء لسانيّ متجانس يطبع العالم من حيث ضروب الفكر؛ إذ -لا ريب- تنشط التّرجمة مع الاختلاف، ومن التّنوّع تستمدّ أحقيّة وجودها في الحياة الثقافيّة للمجتمعات والأفراد والسّياقات. ومن ثمّة، يكون نـَزَقها وتصعب مهامها؛ بل رغم الأبحاث التي أدّت إلى اكتشاف سمات عالميّة للحضارة الإنسانيّة، وقد قدّمها إميل بنفنيست مستنداً إلى اللّغة الصّينيّة[33]؛ حيث استخرج منها من ضروب الفكر ما يمكن أن يستقلّ عن جملة التراكيب اللّغويّة وخصوصيّات التّقعيد فيها، فإنّه لا يمكن غضّ النّظر عن نظريّة (النّسبيّة اللّسانيّة) كما وردت لدى بنيامين وورف، التي تقول بوجود تباين صارخ في كلّ لغة فيما يتعلّق بالنّظرة إلى العالم. فبحسب وورف، يكون قيام الفكر «مشروطاً باللّغة التي تعبّر عنه»، وهو معنى هذه النّسبيّة اللّغويّة[34]، التي تقيم تعارضاً بيِّـنـاً مع فرضيّة تشومسكي المتعلّقة بالخاصيّة الفطريّة للغة؛ إذ اللّغة تتشكّل وتنمو بفعل الثقافة وتعكس حتّى أكثر السّمات تفصيلاً في المعترك اليومي لدى الأفراد.

ومن ثمّة، لا مندوحة عن أخذ موقع الذاتيّة النّاشئة بين تضاعيف النّص المترجَم وهويّتها في الاعتبار؛ إذ التّرجمة حوار والحوار أخذ وعطاء، بصفة غير معلنة؛ بل إنّ ذاتيّة المترجـِم يمكن أن تفرض بكـَلاكِلِها منذ اللّحظة التي يختار فيها المترجم، ويقرّر ترجمة هذا النّص بعينه، دون ذاك... وقد يبدو هذا الحضور مؤثراً وقويّاً عند التّطرّق إلى فهم السّياق الثقافي الذي قيل فيه النّص الأصلي. ففي غياب تمثّل هذا السّياق أو استحالة إعادة تكوينه، سيؤدّي الأمر إلى إنشاء سياق مشابه أو تناسبيّ بحسب ما تجود به رؤية المترجم، وما تمكّنه منه مفرداته المتاحة داخل لغته. وقد يجانب نوعاً من الصّواب في أحسن الحالات، ولكنّه بالضّرورة، لا ينفذ إلى كبد الحقيقة. وهب أنّ مترجم النّص هو كاتبه عينه، فالمعادل اللّغوي ما بين لغة المصدر ولغة الهدف يبقى نسبيّاً (ديكارت مترجماً لتأمّلاته الميتافيزيقيّة، من اللاتينيّة إلى الفرنسيّة، على سبيل المثال، على الرّغم من أنّ الثانية، الجديدة، ابنة للأولى، القديمة).

وعليه، تبدو التّرجمة، من حيث هي بنية حواريّة، فعلاً متعدّياً (acte transitif)، ولكنّها سرعان ما تتحوّل بفعل إعادة خلق السّياق المفاهيميّ والتّاريخي والفضائي للنّص... إلى فعل لازم (intransitif)، وذاك قدرها ومشروع وجودها، في الوقت ذاته؛ إذ يتحوّل المترجـِم إلى عقد حوار مع نفسه (حديث أناكسيماندر) بل إنّ ألـَق الذاتيّة يبقى مشعّاً حتى وإن اتّجه إلى ترجمة نصوص من غير ثقافته المخصوصة (حوار مع رجل يابانيّ). ولئن كانت التّرجمة «حظوة» مُهداة إلى النّص الأصليّ فإنّ ما يمكن أن يمثّل هذه الحظوة، على الأقلّ في النّصوص الإبداعيّة والإنسانيّات عامّة، لهو من جهة ما يؤسّسه فيها المترجـِم، ما يُخصبها إيّاه، باتّجاه إكسابها قسطاً آخر من الدّيمومة على نحوٍ ما، ولكن في زمن آخر ومكان آخر وعلى أساس مقاصد استراتيجيّة قد تكون منها براء. فقد تكون هناك ترجمات أمينة، ولكن يصعب وجود ترجمات مطلقة؛ إذ الترجمة ترجمة للذات المترجـِمة نفسها وتشريع أنطولوجيّ لها ولعبقريّتها بحجّة النّص الأصلي الذي يتحوّل إلى أداء دور الشاهد، شاهد لها؛ أي لغير حسابه الخاص. وهو معنى أن تكون التّرجمة تأكيداً لما يمكن أن يُقال حاضراً ومستقبلاً، في زحمة ما كان قد قيل، بعدُ، من قبل.

[1]- تأويليات العدد3

[2]- جامعة صفاقس – تونس.

[3]- وهو تعليق كتبه هايدغر نحو سنة 1946، وقد نشره ضمن كتابه (دروب غير نافذة). ويولي الفيلسوف أهمّية لهذا النّص من جهة اعتباره له بمنزلة أوّل شاهد على وعي الفكر اليوناني، ومن ثمّة الأوربّي بنفسه، ومن جهة أنّه «ظهور لبداية التقليد الفلسفي بأوربّا».

[4]- Heidegger M., Chemins qui ne mènent à nulle part (1946), trad. W. Brokmeier. Ed. tel, Gallimard, Paris, 1986

[5]- Heidegger M., Acheminement vers la parole (Conférence, janvier 1959), trad. F. Fédier, J. Beaufret, W. Brokmeier, Ed. Gallimard, Paris, 1976, réed. 1988

[6]- Brito (Emilio): Le Sacré dans le cours de Heidegger sur ‘’Ister’’ de Hölderlin (article), Revue Philosophique de Louvain, 1997, Volume 95, pp. 395-436

[7]- Heidegger (M): Hölderlin’s Hymn «the Ister», translated by William Mc Neil and Julia Davis. Series: Studies in Continental Thought, 1996: «Marten Heidegger’s 1942 lecture course interprets Friedrich Hölderlin’s Hymn ‘’The Ister’’ within the contex of Hölderlin’s poetic an philosophical work, with particular enphasis on Hölderlin’s dialogue with Creek Tragedy…».

[8]- Heidegger M., Etre et Temps (Sein und Zeit) (§ 33), trad. E. Martineau; «Énoncé signifie communication, prononcement. En tant que tel, il a un rapport direct à l’énoncé au premier et au deuxième sens. Il est un faire-voir-avec de ce qui est mis en évidence selon la guise du déterminer. Ce faire-voir-avec partage l’étant mis en évidence en sa déterminité avec les autres. Ce qui est «partagé», c’est l’être — voyant en commun — pour le mis en évidence, un tel être pour... lui devant être pensé être-au-monde — à ce monde à partir duquel le mis en évidence fait encontre. À l’énoncé comme communication ainsi comprise existentialement appartient». Edition Numérique Hors-Commerce, p. 135

[9]- Heidegger M., Etre et Temps (Sein und Zeit) (§ 33); «L’énoncé signifie communication, déclaration (…) Elle fait voir à autrui ce qui est montré, en le déterminant. Faire voir à autrui, c’est faire part à l’autre de l’étant qui est montré en sa détermination. Est ‘’partagé’’ l’être par rapport à ce qui est montré dans une vue en commun et cet être par rapport à lui, bien sûr, toujours à prendre comme être- au- monde, ce monde précisément à partir duquel ce qui est montré se reconnaître». Chalandon-O’Connell A.-M., Le Langage de l’Etre chez Martin Heidegger (Thèse), Ecole Doctorale: Allph@, Université de Toulouse2, Jean Jaurès, 2009, p. 131

[10]- Heidegger M., «Parler ce n’est pas en même temps écouter; parler est avant tout écouter», ‘’D’un entretien de la parole ]entre un Japonais et un qui demande[‘’, dans Acheminement vers la Parole, trad. F. Fédier, Ed. Gallimard, Paris, 1976, rééd. 1988, trad. J. Beaufret, W. Brokmeir, F. Fédier, p. 228; 241] Conférence, Janvier 1959].

[11]- Heidegger M., Questions I et II; «… il nous faut entrer en dialogue avec l’expérience grecque du langage en tant que logos. Pourquoi ? Parce que sans une méditation suffisante du langage, nous ne savons jamais vraiment ce qu’est la philosophie en tant qu’elle a été caractérisée comme correspondance, ce qu’est la philosophie en tant qu’une modalité privilégiée du dire». trad. K. Axelos et J. Beaufret, Ed. Gallimard, Collec. Tel, Paris, 1990, pp. 332-43

[12]- Lindberg S., “Heidegger et l’Etre Avec (article issu d’un projet de recherche auprès de l’Académie de Finlande)”, in Bertram G., Heidegger et l’Etre Avec, Socialité et Reconnaissance, Grammaire de l’Humain. Ed. l’Harmattan, Paris, 2007; «Dans le débat avec l’étranger le logos existe comme conflit de deux logoi et n’a lieu que comme traduction entre deux langues incommensurables».

[13]- Heidegger M., «Là où doit être un dialogue, la parole essentielle doit rester», Etre et Temps (§ 34), op. cit.

[14]- Lindberg S. «Heidegger n’a sans doute pas ce qu’on a coutume d’appeler une ‘ontologie sociale’…», Heidegger et l’Etre Avec, op. cit.

[15]- Levinas E., «La relation avec autrui est certes posée par Heidegger comme structure ontologique du Dessein; pratiquement elle ne joue aucun rôle ni dans le drame de l’être, ni dans l’analytique existentiale», Le temps et l’Autre. Ed. PUF, Quadrige, Paris, 1983, p. 18, in Lindberg, op. cit.

[16]- Heidegger M., Questions I et II; «Quand philosopher-nous ? Ce n’est visiblement qu’a partir du moment où nous entrons en dialogue avec les philosophes. Cela implique que nous débattions avec eux ce dont-ils parlent. Ce débat en forme de colloque, où il y a de ce qui toujours de nouveau concerne les philosophes comme étant le Même, le Parler, le Légein, au sens de dialégesthai- la parole entant que dialogue». Op.cit., p. 33-34

[17]- Chalandon-O’Connell A-M., Le Langage de l’Etre chez Martin Heidegger; «Toute l’attitude de la philosophie authentique, selon Heidegger, se résume à la recherche de correspondance sémantique entre les langues qui se préoccupent de philosophie qui ne serait pas l’élaboration d’une définition, forcément extérieure au questionnement initial», op. cit., p. 216

[18]- Ibid., pp. 142-44

[19]- Mouloud N., «Il nous a semblé possible de tenir compte d’une polarité, intéressant les pouvoirs dynamiques de la vision, que l’on peut rattacher tour à tour à certains «schèmes formels» de l’appréhension et à certaines «puissances tensionnelles» liées aux matériaux structurés (…) Dire que le regard «habite» l’espace, c’est exprimer un autre fait: il se laisse porter par l’espace comme par une puissance en expansion, une puissance d’éloignement et de rapprochement, et les formes qui s’installent dans l’espace prennent en charge et guident ces tendances. Déjà le simple modelé des masses et des vides provoquent une fluctuation de ce milieu mobile, qui tour à tour fait saillie et se creuse», La Peinture et l’Espace. Recherche sur les conditions formelles de l’expérience esthétique. Paris, PUF, 1964, pp. 57- 58

[20]- In: Tao-To King, trad. du Chinois par Liou Kia-Hway. Ed. Gallimard, coll. Connaissance de l’Orient, Paris, 1967, pp. 33-48

[21]- Papadopoulo A., L’Islam et l’art musulman, Paris, 1976, pp. 165, 176, 189 (l’esthétique de l’ambigüité, la vraisemblance, l’horreur du vide…)

[22]- Heidegger M., Acheminement vers la parole, op. cit., p. 100

[23]- Ibid.: «Ce qui vient charmer avec grâce», p. 129

[24]- Ibid.: «Le vent de la silencieuse paix du ravissement resplendissant», p. 130

[25]- Ibid., p. 104

[26]- Chalandon-O’Connell A-M., Le Langage de l’Etre chez Martin Heidegger, op. cit., p. 144

[27]- Heidegger M., Acheminement vers la parole, op. cit., p. 100

[28]- Chalandon-O’Connell A-M., Le Langage de l’Etre chez Martin Heidegger, op. cit., p. 145

[29]- يصرّح ج بـ «أنّ السّيطرة المتعالية لعقلكم الأوربّي، التي تكرّست بفضل نجاحات العقلانيّة ونجاحات التّقدّم التّقني، قد أدّت بنا إلى أن نكون تحت الرّقابة، ساعة بعد ساعة». ويردف د متفاعلاً: «وإزاء هذا الانبهار الأعمى، لا نرى البتّة كيف أنّ أربنة (européanisation) الإنسان والأرض تضرب في الأعماق كلّ ما هو جوهريّ. فكلّ الينابيع، والحالة هذه، يجب أن تنضب». هايدغر، من نصّ الحوار، ص101، ورد في المصدر السّابق، ترجمة المؤلّف.

[30]- L’art et la notion de civilisation, Colloque, 7ème Ecole Internationale de Printemps, Montréal, 11-15 Mai 2009, Introduction: «Dans les derniers jours du XXème siècle, l’éminent professeur Ernest Gombrich déclarait que la tâche principale de l’historien de l’art consiste à défendre «la civilisation traditionnelle de l’Europe occidentale». En effet, l’historien de l’art, selon Gombrich, serait «un porte-parole de notre civilisation».

[31]- Heidegger M., Acheminement vers la parole, op. cit., p. 104

[32]- Mounin G., Les problèmes Théoriques de la Traduction, Ed. Gallimard, Paris, 1963, et Tel, N° 5, 1976

[33]- Benveniste E., Problèmes de Linguistique Générale. Ed. Gallimard, Paris, 1966, «La subjectivité dans la langue», pp. 258-66

[34]- Whorf B. L., Language, Thought, and Reality: Selected Writings of Benjamin Lee Whorf, Ed. J. Carroll, New York, MIT Press, 1956